تفسير إنجيل مَرْقُسَ
الأصحَاحُ الثَّامِنُ
1فِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 2«إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. 3وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي الطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ». 4فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟» 5فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ». 6فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ. 7وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هذِهِ أَيْضًا. 8فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَل. 9وَكَانَ الآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ. 10وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ.
11فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!»
13ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ. 14وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ. 15وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ» 16فَفَكَّرُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ». 17فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟ 18أَلَكُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ، وَلاَ تَذْكُرُونَ؟ 19حِينَ كَسَّرْتُ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ لِلْخَمْسَةِ الآلاَفِ، كَمْ قُفَّةً مَمْلُوَّةً كِسَرًا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «اثْنَتَيْ عَشْرَةَ». 20«وَحِينَ السَّبْعَةِ لِلأَرْبَعَةِ الآلاَفِ، كَمْ سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوًّا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا: «سَبْعَةً». 21فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ؟»
22وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، 23فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟ 24فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا. 26فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ».
27ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» 28فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». 29فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!» 30فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.
31وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. 32وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ. 33فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا ِللهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».
34وَدَعَا الْجَمْعَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي. 35فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا. 36لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ 37أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ 38لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ».
1 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: في تلك الأيام الّتي كان فيها الرب يسوع في الجسد على الأرض يصنع آيات روحيّة لحياة المؤمن السماويّة، دعا الرب يسوع تلاميذه ليصنع بهم وبالجمع الّذي يتبعه هذه الآية الروحيّة لحياة المؤمن في ملكوت السماوات.
2 إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ.: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية الروحيّة عن المؤمن الّذي يمكث معه ثلاثة أيام، أي عن المؤمن الّذي يتبعه كل حين، وليس الّذي يتبع إلى حين. العدد ثلاثة في كلمة الله يدلّ على الاستمراريّة والإرادة، ويمحوا احتمال الصدفة.
3 وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي الطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ».: لا يصرف الرب يسوع الّذين يأتون إليه ليتبعوه في الروح صائمين عن شهوات العالم، وعن كل التعاليم الّتي ورثوها ونشأوا عليها، ليسمعوا كلمة الله الروحيّة فقط من الرب يسوع، فيعملوا بها في حياة روحيّة حسبما قدّمها لهم الرب يسوع غذاء الروح للحياة الأبديّة. القوم الّذين يأتون من بعيد في الروح هم الّذين يأتون إلى الرب يسوع من معتقدات ومجتمعات بعيدة عن الرب يسوع. يخوّرون في الطريق الروحيّة، أي يبتعدون عن كلمة الله الروحيّة للموت الأبدي، لذلك لا يتركهم الرب يسوع دون أن يعطيهم كلمة الله، ليأكلوا في حياة روحيّة كل حين.
4 فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ؟»: هذه هي نظرة المؤمن الجسدي بحسب الحكمة البشريّة المحدودة، لذلك يرفض الرب يسوع حكمة الإنسان في الحياة الروحيّة، لأنّها لا تتّفق مع الحكمة السماويّة للحياة الأبديّة. (كورنثوس الأولى 3: 19 لأَنَّ حِكْمَةَ هذَا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللهِ.). آية روحيّة تقول أنّ المؤمن قبل خلاصه ينسى عمل الرب يسوع من أجله، لأنّهم نسوا أنّ الرب يسوع أطعم الخمسة آلاف في البريّة، لذلك يتكلّمون وكأنّما شيئاً لم يكن.
5 فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ».: سأل الرب يسوع تلاميذه كم عندهم من الخبز، لأنّه يقول في هذه الآية الروحيّة أنّه يستخدم قدرات خدّامه البسيطة لخدمة الكلمة، لكنّه يبارك هذه القدرات البسيطة ليجعلها عظيمة من أجل الكثيرين.
6 فَأَمَرَ الْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى الْجَمْعِ.: آية روحيّة يأمر فيها الرب يسوع المؤمنين به ان يتّكئوا على الأرض، أي أن يتكئ المؤمن في الروح على قلبه الجيّد في المحبّة والتواضع ليأكل كلمة الله السماويّة، لأنّ الأرض هي قلب الإنسان. (متّى 13: 23 وَأَمَّا الْمَزْرُوعُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ».). أخذ السبع خبزات، أي استخدم القليل الّذي عند تلاميذه، وشكر الله على كلمة الخلاص لمحبّته العظيمة للإنسان، وكسر الخبز ليعطي كل إنسان حسب جوعه لكلمة الله. وأعطى التلاميذ ليقدّموا هم للجموع، لأنّ الرب يسوع له تلاميذ في العالم لخدمة المؤمنين، هو يعطي الكلمة لتلاميذه وهم يقدّمونها للجموع. الخبز الروحي هو كلمة الله في جسد الرب يسوع للبرّ السماوي على الأرض. (مرقس 14: 22 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي».)
7 وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هذِهِ أَيْضًا.: أعطى الرب يسوع خبز الحياة الروحيّة للمؤمنين به، وأيضاً بارك السمك لحاجة الإنسان الجسديّة. وقال لتلاميذه أن يقدّموا ليس فقط للحاجة الروحيّة إنّما أيضاً للحاجة الجسديّة، لأنّ الخبز في الإنجيل هو حاجة الإنسان الروحيّة والسمك هو الحاجة الجسديّة. (مرقس 1: 16 وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. 17فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ».). كانا صيّادين للحاجة الجسديّة قبل الإيمان، وأصبحا صيّادي الناس للحاجة الروحيّة بعد الإيمان.
8 فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاَتِ الْكِسَرِ: سَبْعَةَ سِلاَل.: يأكل ويشبع في الروح كل مؤمن يتبع الرب يسوع البارّ، لأنّ الرب يسوع هو كلمة الله للبرّ السماوي. (متّى 5: 6 طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ.). ثمّ رفعوا فضلات الكسر سبعة سلال، أي أنّ خادم الرب الّذي يقدّم القليل ممّا عنده من كلمة الله، تزيد معرفته الّتي يباركها الرب يسوع مع الخدمة، من رغيف لنفسه إلى سلّة معرفة للخدمة.
9 وَكَانَ الآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ.: سبع خبزات لأربعة آلاف إنسان هو عمل غير مستطاع عند الناس. آية سماويّة ليفهم خام الرب أنّ الرب يسوع هو الّذي يعمل في الروح والخادم يقدّم فقط. لأنّ غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله باستخدامه للإنسان. (متّى 10: 20 لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ.). ثمّ صرفهم ليذهب كل إنسان إلى حياته المعتادة، لكن في حياة روحيّة مع الرب يسوع.
10 وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ السَّفِينَةَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ.: وللوقت بعد أن صنع هذه الآية الروحيّة، دخل السفينة مع تلاميذه، أي جاء فوق شهوات العالم إلى نواحي دلمانوثة، ليكمل عمله في صناعة الآيات السماويّة لحياة المؤمن الروحيّة.
11 فَخَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَابْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ السَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ.: خرج الفرّيسيّون عن صمتهم ليحاربوا كلمة الله في الرب يسوع. فابتدأوا يحاورونه طالبين منه آية من السماء، ليس لأنّهم يبحثون عن الحقّ السماوي أو لأنّهم طالبين أن يفهموا قبل أن يقبلوا أو يرفضوا، إنّما جاؤوا إليه رافضين، لذلك طلبوا منه آية من السماء ليجرّبوه.
12 فَتَنَهَّدَ بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا الْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هذَا الْجِيلُ آيَةً!»: تنهّد بروحه أسفاً على هذا الجيل الخاطي، أي جيل الإنسان المولود من الجسد، لذلك هو جيل خاطي لم يولد من الروح ليصبح من الجيل السماوي. (يوحنّا 3: 6 اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.). لماذا يطلب هذا الجيل آية وهو لا يريد أن يؤمن بابن الله البارّ لخلاصه الأبدي. لا تُعطى الآيات السماويّة للإنسان الخاطي، لأنّ الخاطي ليس له علاقة مع الله إن لم يؤمن أوّلا بموت وقيامة ابن الله الفادي. الآيات السماويّة هي في التفسير الروحي لكلمة الله في المكتوب، لذلك هذا الجيل الخاطي لا يقبل التفسير الروحي ولا يعمل به في الروح قبل أن يؤمن بكلمة الله الروحيّة. في هذه الآية الروحيّة رسالة لكل إنسان يأتي إلى الرب يسوع ليجرّب كلمة الله في خدّامه، فيرفضه الرب يسوع ولا يسمع له.
13 ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضًا السَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى الْعَبْرِ.: جاء الرب يسوع إليهم لكنّهم رفضوه، لذلك لم يستجب لطلبهم ولم يصنع عندهم آية كما كان يصنع في كل مكان يذهب إليه، بل تركهم ومضى لأنّهم جاؤوا إليه ليجرّبوه. هذه آية لكل إنسان يأتي إلى الرب يسوع لأنّه يبحث عن الحقّ السماوي لحياته الروحيّة، فيأتي بقلبه المتواضع ويطلب أن يفهم كلمة الله الروحيّة، لأنّ الرب يسوع يرفض الّذي يأتي إليه ليجرّبه.
14 وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزًا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ إِلاَّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ.: في هذه الآية الروحيّة رسالة لكل مؤمن ينظر إلى الأمور الجسديّة وهو مع الرب يسوع. لأنّ التلاميذ في هذه الآية كانوا ينظرون إلى حياتهم الجسديّة وهم مع المسيح، الّذي جاء من أجل حياة الإنسان الروحيّة الأبديّة.
15 وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ»: يتكلّم الرب يسوع في أمثال أرضيّة هي آيات روحيّة للحياة السماويّة، لأنّه لم يأت من أجل الجسد الّذي يزول، إنّما من أجل الروح للحياة الأبديّة. يوصي الرب يسوع المؤمنين به أن ينظروا، أي أن لا يتبعوا التعاليم دون أن ينظروا إلى المكتوب. وأن يتحرّزوا من خمير الفرّيسيّين، أي أن يتحرّزوا من التعاليم الروحيّة الباطلة. ومن خمير هيرودس، أي من تعاليم ملوك هذا الدهر في العالم الباطل. ملوك هذا الدهر هم كل الّذين يعلّمون السماويّات بحسب حكمة هذا الدهر. (متّى 22: 15 حِينَئِذٍ ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. 16فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ).
16 فَفَكَّرُوا قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ».: يتكلّم الرب يسوع في الروحيّات وهم يفكّرون في الجسديّات، لأنّهم إلى هذه الساعة لم يفهموا أنّ كلمة الله في الرب يسوع هي روحيّة للحياة الأبديّة.
17 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلاَ تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلاَ تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى الآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟: يتكلّم الرب يسوع مع كل مؤمن يعمل بكلمة الله جسديّة ويقول: ألا تشعر بعد ولا تفهم أنّ كلمة الله روحيّة؟ أحتّى الآن قلبك غليظ ولا تريد أن تفهم؟ يقول الرب يسوع أنّ المؤمن الصالح لا يفهم فقط أنّ كلمة الله روحيّة، إنّما أيضاً يشعر بها في الروح.
18 أَلَكُمْ أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ، وَلاَ تَذْكُرُونَ؟: يتكلّم الرب يسوع مع المؤمنين به الّذين يفهمون كلمة الله حرفيّة جسديّة ويرفضون أن يفهموا أنّها آيات روحيّة، لأنّ لهم أعين لينظروا كلمة الله لكنّهم لا يبصرون فيها ما للروح، ولهم آذان ليسمعوا كلمة الله لكنّهم لا يسمعونها بالروح، ولا يذكرون أنّ كل ما صنعه الرب يسوع بهم وبكل جماعة المؤمنين هي أعمال روحيّة؟
19 حِينَ كَسَّرْتُ الأَرْغِفَةَ الْخَمْسَةَ لِلْخَمْسَةِ الآلاَفِ، كَمْ قُفَّةً مَمْلُوَّةً كِسَرًا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «اثْنَتَيْ عَشْرَةَ».: في هذه الآية الروحيّة أطعم الرب يسوع كلمة الله خبزا روحيّا لحياة المؤمنين به. لذلك يقول أنّ تلاميذه لم يفهموا أنّه صنع من المثل الجسدي آية روحيّة لحياة الروح الأبديّة، لأنّهم يتكلّمون في الحاجات الجسديّة وهم في حياة روحيّة مع الرب يسوع. آية روحيّة لكل مؤمن يتبع الرب يسوع فلا يعمل بكلمة الله من أجل الجسد الّذي يزول.
20 «وَحِينَ السَّبْعَةِ لِلأَرْبَعَةِ الآلاَفِ، كَمْ سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوًّا رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا: «سَبْعَةً».: سبعة أرغفة لأربعة آلاف إنسان وبقي منها سبعة سلال من كسر الخبز. لم ير إنسان مثل هذا الفعل على الأرض بعد صعود الرب يسوع في الجسد، لأنها آية لخبز الروح لكل إنسان يتبع الرب يسوع في الروح.
21 فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ لاَ تَفْهَمُونَ؟»: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية مع المؤمنين به الّذين يتكلّمون عن خبز الجسد وهم في حياة روحيّة معه. يقول الرب: كيف لا تفهمون أنّها آيات روحيّة، لأنّ خبز الجسد لكل إنسان مولود من الجسد، أمّا خبز الروح فللمؤمنين فقط. (يوحنّا 3: 6 اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ.). لذلك قال كيف لا تفهمون وليس كيف لا تذكرون. آية تقول للمؤمن الروحي أن يتذكّر المكتوب، وأن يفهم الآية الروحيّة من المكتوب، لأنّ الرب يسوع يتكلّم عن فهم الكلمة السماويّة من أعماله الأرضيّة لأنّها آيات روحيّة. فيعمل المؤمن بكلمة الله الروحيّة للحياة الأبديّة.
22 وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ: جاء الرب يسوع إلى بيت صيدا ليكمل عمله، فيصنع الآيات الروحيّة الّتي يحتاجها الإنسان ليصل بها إلى الحياة الأبديّة. فقدّموا إليه أعمى في الجسد لأنّ الرب يسوع معهم في الجسد، وطلبوا إليه أن يلمسه في الجسد لأنّه معهم في الجسد. يفهم المؤمن الروحي من هذه الآية أنّ الرب يسوع يشفي أعمى الروح ويلمسه في الروح لأنّه معه في الروح.
23 فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟: أعمى الروح هو الّذي لا يبصر الرب يسوع في الروح لحياته الأبديّة، لذلك يحتاج إلى الرب يسوع طبيب الروح. أخرجه إلى خارج القرية، أي إلى خارج تعاليم مجتمعه الباطلة. وتفل في عينيه ليغسل له بصره الروحي من كل تعاليم باطلة كان يعرفها، لأنّها لا تشفي مريض الروح ليبصر الحقّ السماوي. ووضع يديه عليه لتعليمه كلمة الله بوضع اليد وليس فقط مع الجموع. وسأله هل أبصر شيئاً؟ أي هل أصبح يرى الحياة الروحيّة بالإيمان الصالح بعد أن غسل له الرب يسوع عينيه، ووضع يديه عليه حسب كلمة الله الروحيّة. آية روحيّة لشفاء أعمى الروح بسبب التعاليم الباطلة في الجماعة الّتي ينتمي إليها. فيأتي إلى الرب يسوع في المكتوب، ويخرج من كل جماعة لا تعمل فقط حسب المكتوب، فيغسل له الرب يسوع بصره الروحي ويضع يديه عليه من خلال تلاميذه في العالم، ليتعلّم منهم كلمة الله الروحيّة فيبصر الحقّ السماوي في الروح.
24 فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ».: سأله الرب يسوع هل أبصر شيئاً؟ فتطلّع وقال أنّه أصبح يبصر لكن ليس كما يجب. هكذا يبصر المؤمن في بداية حياته الروحيّة الصالحة مع الرب يسوع، يبصر الناس كأشجار يمشون، وليس كأحياء في الروح، لأنّ الأشجار ليس فيها روح. فهو لا يبصر الحياة الروحيّة بوضوح.
25 ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا.: آية روحيّة تتكلّم عن الإنسان ومراحل شفائه بعد إيمانه بالرب يسوع. أوّلا، أعمى الروح يطلب الشفاء، ثانياً، يُبصر الرب يسوع في الروح بعد الشفاء لكنّه لا يفهم بوضوح كلمة الله الروحيّة، ثالثاً، بعد استمراره مع الرب يسوع في حياة روحيّة ويدي الرب يسوع على عينيه، أي بالنظر فقط إلى كلمة الله والعمل بها حسب المكتوب، فيبصر كل شيء جليّاً لأنّه يبصر جيداً بعين الروح وليس بعين الجسد ما للروح.
26 فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لاَ تَدْخُلِ الْقَرْيَةَ، وَلاَ تَقُلْ لأَحَدٍ فِي الْقَرْيَةِ».: بعد شفاء المريض يرسله الرب يسوع إلى بيته، أي إلى حياته المعتادة، ليكمل أيّامه في العالم لكن بالإيمان الصالح بعد الشفاء. لا تدخل القرية، أي لا ترجع إلى الحياة الروحيّة مع الجماعة الّتي كنت تنتمي إليها لأنّ تعاليمهم باطلة. ولا تقل لأحد في القرية لأنّك في حياة روحيّة تظهر بأعمال الإيمان الصالح وليس بالكلام.
27 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي الطَّرِيقِ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً لَهُمْ: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا؟»: بعد شفاء المريض خرج الرب يسوع ومعه تلاميذه ليكمل عمله قبل صعوده في الجسد، فيصنع الآيات اللازمة لحياة الإنسان الروحيّة بعد صعوده. يسأل الرب يسوع تلاميذه لأنّها آية روحيّة ليفهم منها المؤمن الّذي لا يعمل بكلمة الله فقط حسب المكتوب، أنّه يتبع أقوال الناس حتّى وإن كانت أقوالهم تظهر أنّها من السماويّات، لكنّها أقوال خاطئة.
28 فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ. وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا. وَآخَرُونَ: وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ».: الجميع يعترفون به من الله، لكن كل واحد منهم حسب أفكاره باعتماده على نظرته الخاصة وحكمته البشريّة، وليس على المكتوب في النبوّات. هكذا تأتي التعاليم الخاطئة من أفكار وحكمة الناس، لأنّهم ينظرون إلى الرب يسوع بعيونهم الأرضيّة حسب فهمهم البسيط للسماويّات، لأنّهم لا ينظرون إلى كلمة الله فقط حسب الآيات الروحيّة في المكتوب.
29 فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ الْمَسِيحُ!»: أمّا تلاميذ الرب يسوع فيعرفون أنّه المسيح لأنّهم يتبعونه دون أن يسمعوا لأقوال الناس. يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية مع المؤمنين به ليتبعوه كما تلاميذه، فيسمعوا فقط لكلمة الله في المكتوب ليعرفوا الرب يسوع كما يجب.
30 فَانْتَهَرَهُمْ كَيْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.: لا يريد الرب يسوع من المؤمن به أن يتكلّم عنه قبل أن يفهم كلمة الله الروحيّة ويعرف لماذا جاء المسيح إلى العالم. وأن يؤمن هو أوّلا بموته وقيامته لخلاصه، ثمّ يتكلّم عن المسيح في حياة روحيّة لخلاص الآخرين. لا يتكلّم المؤمن عن خلاص الإنسان إن لم يختبره أوّلاً في حياته الروحيّة، لأنّ الإنسان لا يعرف ما هو الخلاص الروحي إلاّ بعد قيامة الرب يسوع في قلبه للحياة الأبديّة.
31 وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ.: انتهرهم كي لا يقولوا لأحد أنّه المسيح قبل أن يتعلّموا أوّلا من هو المسيح، وليس فقط أن يعرفوا أنّه المسيح. لأنّ المؤمن الصالح هو الّذي يعرف لماذا جاء المسيح، وليس فقط أن يعرف أنّ الرب يسوع هو المسيح. يقول الرب يسوع أنّه جاء ليتألّم كثيراً، وأنّه يُرفض من معلّمي الناموس، ويُقتل، لكنّه يقوم بعد ثلاثة أيّام حسب الآية الروحيّة في نبوّة يونان.
32 وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً. فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَابْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ.: قال القول علانيّة لأنّ موت الرب يسوع وقيامته هي الآية الوحيدة لجميع الناس. (متّى 12: 39 فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. 40لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ.). ابتدأ بطرس ينتهره لأنّه ينظر إلى كلمة الله بحكمة بشريّة، فلا يقبل أنّ الرب القادر على كل شيء يتعذّب ويُقتل من الناس. الرب يسوع هو كلمة الله الروحيّة لذلك حكمة الإنسان الأرضيّة لا تصلح للحياة السماويّة.
33 فَالْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلاَمِيذَهُ، فَانْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا ِللهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».: يقول الرب يسوع في هذه الآية الروحيّة أنّ كل من يرفض موت الرب يسوع، وإن كان محبّةً بالمسيح، فهو شيطان يُبطل بجهله الروحي عمل الرب يسوع للخلاص، لأنّه ينظر إلى السماويّات بعينه الأرضيّة. موت الرب يسوع هو ثمن خطيّة الإنسان ليغفرها بالحقّ للمؤمن به. لكنّه قام من بين الأموات لأنّه بارّ. خلاص الخاطي من الدينونة الأبديّة أكمله الرب يسوع بالبرّ والرحمة والحقّ، ليأتي بالمؤمن به الّذي يتوب إلى الحياة الأبديّة مع الله.
34 وَدَعَا الْجَمْعَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي.: دعا الجمع مع تلاميذه لأنّها آية لكل إنسان يريد أن يتبع المسيح، لحديث الإيمان أو لخادم الكلمة مهما امتلك من معرفة. ينكر نفسه، أي لا يعمل ولا يعلّم حسب حكمته الأرضيّة، ولا يعمل لمجد نفسه، إنّما يعمل ويتكلّم فقط بحكمة الرب يسوع في الآيات الروحيّة حسب المكتوب، لخلاصه الأبدي ولمجد الرب الفادي. ويحمل صليبه ويتبع الرب يسوع في الروح، لأنّ الصليب هو الموت الّذي يستحقّه الإنسان الخاطي، لذلك يحمل صليبه ويتبع الرب يسوع، أي لا ينسى أبداً أنّه يستحقّ الموت بسبب الخطيّة وأنّ الرب يسوع جعله يحمل الصليب بدلا من أن يُحمل هو عليه. من يحمل صليبه هو الّذي يُميت أعمال الجسد في عالم الشهوات ليعمل بكلمة الله من أجل الروح للحياة الأبديّة. (كولوسي 2: 20 إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ). الصليب هو ثمن الخطيّة الّذي دفعه الرب يسوع البارّ من أجل الإنسان الخاطي، لذلك المؤمن الصالح الّذي يحمل صليبه لا يهتمّ بما للعالم ليهتم بما لله، ولا ينسى أنّه خاطي لذلك يحمل صليبه الّذي حمل الرب يسوع من أجله.
35 فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا.: من يترك صليبه ولا يعمل بكلمة الله لأنّه أراد أن يخلّص نفسه في العالم، فهو يُهلكها إلى الأبد لأنّه سيأتي إلى دينونة الحقّ ليدفع ثمن الخطيّة حسب أعماله. ومن يُهلك نفسه في العالم من أجل إيمانه بالرب يسوع وخدمته لكلمة الله حسب المكتوب، فهو يحمل صليبه ويخلّص نفسه إلى حياة أبديّة. يقول الرب يسوع من أجلي ومن أجل الإنجيل لأنّه يتكلّم عن الإيمان به وخدمة الكلمة حسب المكتوب في الإنجيل، لأنّ الرب يسوع والإنجيل واحد. يحمل المؤمن صليبه في العالم لخلاصه الأبدي بالإيمان، ولخدمة كلمة الله الروحيّة.
36 لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟: من أراد أن يخلّص نفسه في العالم يهلكها في الأبديّة، لأنّه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه في الجسد الّذي يزول وخسر نفسه في الدينونة الأبديّة.
37 أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟: أجرة الخطيّة هي الموت الروحي، أي الانفصال عن الله. فماذا يُعطي الإنسان بعد موته في الروح بسبب الخطيّة فداءً عن نفسه؟ لذلك الإيمان فقط بابن الله الحي يفدي الإنسان الخاطي، لأنّ الرب يسوع هو الإنسان الوحيد البارّ بأعماله، والوحيد الّذي دفع بالموت أجرة الخطيّة، وقام لأنّه بارّ. (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.).
38 لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ».: يتكلّم الرب يسوع عن الإيمان الباطل في الإنسان الخاطي، لأنّ من استحى بإيمانه بالرب يسوع لأنّه غير منظور أمام الناس، أو استحى أن يخدم كلمة الله الروحيّة في العالم الجسدي، سيأتي إلى دينونة الحقّ حسب أعماله في العالم. لأنّ الرب يسوع يستحي بالخاطي متى انتهت الفرصة وجاء بمجده الروحي مع الّذين آمنوا به علانيةً، وخدموا كلمة الله مجاهرةً، لأنّ الّذي يستحي بالرب يسوع في العالم لا يبرّره للحياة الأبديّة، لأنّ الخلاص بالإيمان وليس بالعيان.
بمشيئة الآب السماوي، وعمل الابن الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوّة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود