تفسير إنجيل مَرْقُسَ
الأصحَاحُ الْعَاشِرُ
1وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ.
2فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ. 3فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» 4فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ». 5فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ، 6وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ. 7مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، 8وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. 9فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ». 10ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ، 11فَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. 12وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي».
13وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. 14فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 15اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». 16فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.
17وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 18فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ. 19أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». 20فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». 21فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ». 22فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ.
23فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!» 24فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ! 25مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ» 26فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» 27فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».
28وَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». 29فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ، 30إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولاً، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. 31وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ».
32وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّا سَيَحْدُثُ لَهُ: 33«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ، 34فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».
35وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». 36فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» 37فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ». 38فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» 39فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. 40وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ».
41وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. 42فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 43فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، 44وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. 45لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».
46وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 47فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!» 48فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!». 49فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا الأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ! قُمْ! هُوَذَا يُنَادِيكَ». 50فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. 51فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!». 52فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ.
1 وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ الْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضًا، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضًا يُعَلِّمُهُمْ.: ينتقل الرب يسوع في خدّامه من مكان إلى آخر، فيجتمع إليه كل من يطلب المعرفة الروحيّة للحياة السماويّة، لأنّه كلمة الله السماويّة على الأرض، فيُعلّم كعادته كل من يأتي إليه.
2 فَتَقَدَّمَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ.: تقدّم الفرّيسيّون وسألوه، ليس لأنّهم يريدون أن يفهموا ليعملوا بكلمته، إنّما فقط ليجرّبوه. آية روحيّة تتكلّم عن كثيرين كالفرّيسيّين، يسألون خدّام الرب يسوع ليجرّبوا كلمة الله وليس ليفهموا ويعملوا بها. يستخدم الرب يسوع سؤالهم ليصنع منه آية للمؤمنين، فيفهم المؤمن إن كان يحل للرجل في العهد الجديد، عهد النعمة والرحمة السماويّة، أن يطلّق امرأته كما هو الحال في عهد الناموس، عهد الحقّ والدينونة.
3 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟»: أجابهم الرب يسوع من المكتوب: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟»، أي ما هي الوصيّة حسب الناموس (يوحنّا 1: 17 لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ).
4 فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ».: أذن موسى بالطلاق للّذي يعمل حسب كلمة الله في ناموس الحقّ، أمّا الّذي يتبع المسيح الفادي فيعمل حسب كلمة الله في عهد الخلاص بالنعمة والحقّ. أن يُكتب كتاب طلاق، أي لا يتمّ الطلاق شفهيّاً إنّما فقط بكلام مكتوب.
5 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ: من أجل قساوة قلوبكم، أي رحمة بنسائكم كتب لكم هذه الوصيّة. لكنّها آية روحيّة للّذين يأتون إلى الله، إمّا حسب أعمال الناموس أو حسب أعمال الإيمان بالرب يسوع الفادي.
6 وَلكِنْ مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ، ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا اللهُ.: خلق الله الإنسان رجل واحد لامرأة واحدة، لذلك لا يطلّق الرجل امرأته ويتزوّج بأخرى. يأذن الناموس بالطلاق للإنسان الّذي يعمل بالحقّ حسب الناموس، أمّا المؤمن الروحي بعد مجيء الرب يسوع الفادي، فيعمل في حياة روحيّة حسب العهد الروحي مع الرب يسوع، لأنّه يعود إلى حياة البرّ كما كان في البدء قبل خطيّة الإنسان. كلمة الله لا تتغيّر مع الزمن، إنّما هي آية روحيّة للطلاق الروحي بين الله والإنسان الّذي يعمل حسب الناموس، فيتركه الله إن وجد فيه عيب، أي خطيّة. (التثنية 24: 1 إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ، وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ). (إرميا 3: 8 فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لأَجْلِ كُلِّ الأَسْبَابِ إِذْ زَنَتِ الْعَاصِيَةُ إِسْرَائِيلُ فَطَلَّقْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا كِتَابَ طَلاَقِهَا). أمّا المؤمن حسب عهد النعمة والحقّ للخلاص بالفداء، لا يطلّق امرأته إلاّ لعلة الزنى، لأنّها آية روحيّة لعلاقة الإنسان بالله باسم الرب يسوع الفادي، البارّ الّذي دفع ثمن الخطيّة ليغفرها للمؤمن به، لذلك لا تنقطع علاقة المؤمن بالله إلاّ لعلّة الزنى الروحي فقط، أي لوجود آخر غير الرب يسوع في حياته الروحيّة، كمحبّة العالم والمال (متّى 6: 24 «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ.) وأيضا الّذي يزني في الروح هو الّذي يتبع آلهة أخرى، يؤمن بالمسيح لكنّه لا يكتفي به، فيطلب من الجماد ومن الأموات، لأنّه يرى فيهم آلهة يسمعون ويستجيبون بلا حدود.
7 مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ: من أجل أنّ الله خلق للرجل الواحد امرأة واحدة، يترك الرجل أباه وأمّه ويلتصق بامرأته الواحدة.
8 وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.: ويكون الاثنان جسدا واحدا، أي في حياة واحدة مشتركة في كل شيء، أهدافهما واحدة يكمّل أحدهما الآخر، قلباً واحدا في الفرح وفي الحزن، وفي الصعاب يساعد أحدهما الآخر، يترك كل واحد منهما طريقه الفردي في الحياة ليسلكا في طريق يجمع القلبين نحو هدف واحد. يكبران مع بعض في بيت واحد، لا يفترقا لأنّهما ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد لا يتفرّق.
9 فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ».: الّذي جمعه الله عند خلقه للإنسان لا يغيّره إنسان، امرأة واحدة لرجل واحد.
10 ثُمَّ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا عَنْ ذلِكَ: في بيت الرب يسوع مع المؤمنين يسأل المؤمن ليفهم كلمة الله الروحيّة، فيفهم الآية الروحيّة من كلمة الله السماويّة. لأنّ الزواج والطلاق هي آية سماويّة للحياة الروحيّة مع الرب يسوع. (رؤيا 21: 9 وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ».).
11 فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا.: من طلّق امرأته وتزوّج بأخرى يزني عليها، لأنّه لا يزني في الطلاق إنّما في الزواج بأخرى. يقول الرب في هذه الآية أنّ الطلاق بين الرجل والمرأة مرفوض، لأنّه إن تزوّج بأخرى يزني عليها حتّى وإن افترقا. يمكن للرجل أن يفارق امرأته لكن لا يمكنه الزواج بأخرى، لأنّهما بالفراق لا يكسرا عهد الزواج الّذي تكلّم عنه الرب، وهو رجل واحد لامرأة واحدة. (كورنثوس الأولى 7: 15 إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هذِهِ الأَحْوَالِ، وَلكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ.).
12 وَإِنْ طَلَّقَتِ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي».: أيضاً المرأة لا يمكنها الزواج بآخر إن تركت زوجها، لأنّها تزني.
13 وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ.: انتهر التلاميذ الّذين قدّموا الأولاد إلى الرب يسوع لأنّهم يظنّون أنّ الأولاد لا يحتاجون إلى الرب يسوع، لأنّهم لا يفهمون كلمة الله ليعملوا بها. يقدّم المؤمن أولاده إلى الرب يسوع لكي يلمسهم في الروح، أي يُعلّم أولاده كلمة الله ليتعرّفوا على الرب يسوع طبيب الروح والفادي من الدينونة إلى الحياة الأبديّة. فيلمسهم الرب يسوع بمحبّته العظيمة في قلوبهم قبل أن يصبحوا فاهمين ومسؤولين عن أنفسهم، فيستمروا معه في حياة روحيّة.
14 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ.: يغتاظ الرب يسوع من الإنسان الّذي يمنع اقتراب الأولاد من الرب يسوع كلمة الله. بل يطلب من المؤمن أن يأتي بأولاده إلى الرب يسوع حتّى وإن كانوا لا يفهمون الكلمة ليعملوا بها. جعل الرب يسوع من الأولاد قدوة للمؤمنين، لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت الله.
15 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ».: من لا يقبل ملكوت الله ببساطة قلب مثل ولد فلن يدخله، أي لن يأخذ حياة أبديّة مع الرب يسوع. كالمتكبّر لأنّ الرب يسوع تواضع حتّى الموت، والّذي يعمل لشهواته في العالم لأنّ الرب يسوع لم يعمل لنفسه إنّما فقط من أجل الإنسان في العالم، والّذي لا يغفر لغيره زلاّته لأنّ الرب يسوع غفر خطايا كل من أساءوا إليه، حتّى الّذين صلبوه. من آمن واعتمد ببساطة قلب كالأولاد يدخل ملكوت الله.
16 فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.: يحتضن الرب يسوع ويضمن بدمه للحياة الأبديّة جميع الأولاد، ليس فقط أولاد الجسد إنّما كل الأولاد في الروح، أي البسطاء الّذين لا يمتلكون القدرة لفهم الكلمة والعمل بها. ويضع يديه عليهم ويباركهم دون أن يطلب منهم الإيمان. هكذا أيضاً يضمن الرب يسوع الحياة الأبديّة لكل مؤمن يقبله ويعمل بكلمته بقلب بسيط مثل ولد.
17 وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى الطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟»: يركض الإنسان إلى الرب يسوع لأنّه يأتي بكل إرادته مسرعا لأهميّة طلبه، لأنّه يطلب لحياته الأبديّة، أهمّ ما يحتاجه الإنسان في هذا العالم قبل انتهاء الفرصة بموت الجسد. ركض واحد وجثا أمام المعلّم الصالح، لأنّ المعلّم الصالح فقط يصلح أن يقول للإنسان ماذا يعمل ليرث الحياة الأبديّة.
18 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ.: يقول الرب يسوع في هذه الآية السماويّة أنّه الله الظاهر في الجسد، لأنّه ليس صالح إلاّ واحد وهو الله، الواحد هو الرب يسوع البارّ بأعماله، لذلك هو الله الظاهر في جسد إنسان ليفدي الإنسان، لأنّ الإنسان الصالح فقط يستطيع أن يفدي الإنسان الخاطي. آية روحيّة للّذي لا يعترف بأنّ الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد، فهو يقول أنّه يتبع مسيح غير صالح لأنّ الصالح واحد وهو الله.
19 أَنْتَ تَعْرِفُ الْوَصَايَا: لاَ تَزْنِ. لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. لاَ تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ».: أجابه الرب يسوع أوّلا عن أعماله حسب الناموس، لأنّ كل إنسان يطلب الحياة الأبديّة يجب أن يكون بلا خطيّة حسب الناموس. لكن إن فعل خطيّة واحدة سيأتي إلى الدينونة.
20 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي».: أجاب بأنّه يتبع حسب الناموس، لأنّه يعمل بالوصايا منذ أصبح مسؤولا عن أعماله.
21 فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ».: ينظر الرب يسوع إلى الإنسان الّذي يعمل بالوصايا ويحبّه، لكن خطيّة واحدة تكفي ليأتي إلى الدينونة الأبديّة، لذلك قال له يعوزك شيء واحد هو الّذي يضمن لك الحياة الأبديّة، لأنّه يغفر لك الخطايا. آية روحيّة يطلب فيها الرب يسوع من المؤمن به أن يبيع كل ما له في العالم الّذي يزول ليكون له كنز في السماء لا يزول، الكنز السماوي هو الرب يسوع الفادي (متّى 6: 21 لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا.) قلب المؤمن مع الرب يسوع. (متّى 12: 35 اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ). يُخرج الصالحات من الرب يسوع كلمة الله في قلبه. ويطلب منه أن يحمل الصليب الّذي كان يجب أن يُصلب هو عليه لأنّه خاطي، فلا يُصلب عليه بل يحمله فقط، أي يعمل في حياة روحيّة حسب كلمة الرب يسوع الفادي الّذي صُلب من أجله. فلا ينسى أنّه خاطي يستحقّ الدينونة، لكن محبّة الرب يسوع الّذي مات من أجله هو برّره، لأنّ أجرة الخطيّة هي موت. الصليب هو الدينونة للموت الروحي بسبب الخطيّة، والّذي يحمل الصليب هو الّذي يترك كل شيء ويعمل للحياة الروحيّة كل حين، لأنّه لا ينسى عمل الرب يسوع من أجله.
22 فَاغْتَمَّ عَلَى الْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ.: أحبّ أمواله في العالم الّذي يزول أكثر من محبّته للكنز السماوي والحياة الأبديّة. آية روحيّة للمؤمن الّذي يطلب الحياة الأبديّة، لكنّ محبّته للمال والشهوات في هذا العالم تزيد عن محبّته لله والحياة الأبديّة. عدم العطاء هو محبّة للمال وشهوات العالم أكثر من محبّة الله الّذي بذل ابنه البارّ ليفدي الإنسان الخاطي. (يوحنّا 3: 16 لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.).
23 فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!»: يقول الرب أنّه يصعب دخول ذوي الأموال إلى الحياة الأبديّة مع الله لأنّهم يجب أن يختاروا إمّا محبّة المال في هذا العالم أو محبّة الله للحياة السماويّة. ولكن ليس مستحيل لأنّ المؤمن الّذي يترك محبّة المال ليتبع الرب يسوع يدخل إلى ملكوت الله، لأنّ المؤمن الصالح يستخدم ماله في العطاء وفي خدمة كلمة الله السماويّة. ذوي الأموال، هم الّذين يتّكلون على أموالهم وليس على كلمة الله، كما فعل هذا الإنسان في هذه الآية. لم يحدد الرب يسوع غنى الإنسان بكثرة أمواله، لأنّه قال ذوي الأموال وليس كثيري الأموال. لأنّ ذوي الأموال هم الّذين لهم من المال ما يزيد عن حاجة الإنسان اليوميّة. لذلك لا يتكلّم الرب يسوع عن رقم يحدد به غنى الإنسان، إنّما يتكلّم عن محبّة الإنسان للمال واتكاله عليه، كثيرا كان أم قليل، لأنّ الغنيّ بالمال هو كل مَن يتّكل على المال. (لوقا 12: 20 فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ 21هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا للهِ».). آية روحيّة للمؤمن الّذي يطلب ملكوت الله، ليترك محبّة هذا العالم ويتبع فقط ملكوت الله، لأنّ الجسد يزول أمّا الروح فللحياة الأبديّة. لذلك يتبع المؤمن كلمة الله السيّد الوحيد على حياته. (متّى 6: 24 «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ.).
24 فَتَحَيَّرَ التَّلاَمِيذُ مِنْ كَلاَمِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ!: يجب على المؤمن أن يسأل ليفهم كلمة الله الروحيّة فيعمل بها كما يجب. لذلك أجاب الرب يسوع تلاميذه لأنّهم تحيّروا لماذا يصعب جدّاً دخول ذوي الأموال إلى الحياة الأبديّة. فسّر لهم الرب يسوع ليفهم المؤمن أنّ ذوي الأموال هم الّذين يتّكلون على أموالهم. لأنّ الإنسان الّذي يتّكل على أمواله فيه محبّة للمال أكثر من محبّته الله الّذي بذل ابنه الوحيد من أجله. لذلك لا يدخل ملكوت الله كل إنسان يتّكل على المال وليس على الله. ليس بكثرة المال إنّما بمحبّة المال والاتكال عليه.
25 مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ»: مرور جمل من ثقب إبرة يتم بكلمة من الله، كن فيكون. أمّا دخول الإنسان الخاطي إلى ملكوت الله فهو الأصعب، لأنّه لا يتم إلاّ بموت ابن الله ليفدي الإنسان الخاطي بالنعمة والحقّ. الغنيّ هو الإنسان الخاطي المتّكل على نفسه وعلى ماله في هذا العالم، لذلك مرور جمل من ثقب إبرة عند الله أيسر من دخول غنيّ إلى ملكوت الله، لأنّ الغنيّ بإرادته يجب أن يترك محبّة العالم ويتبع المسيح الفادي ليدخله الله إلى ملكوته.
26 فَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟»: بهتوا كثيراً قائلين أنّه بهذا الكلام يستحيل على الإنسان الدخول إلى ملكوت الله. لأنّهم يعرفون أنّ الإنسان يعمل من أجل شهواته في العالم ومن أجل المال.
27 فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ».: يقول الرب يسوع أنّ دخول ملكوت الله عند الناس غير مستطاع، لأنّ الجميع غنيّ بمحبّته للعالم والمال. لذلك يحتاج الإنسان للإيمان والإرادة، فينظر إليه الرب يسوع ليمنحه الله القوّة الروحيّة اللازمة ليرفض محبّة المال وشهوات العالم، فيصبح غير المستطاع عند الناس مستطاع عند المؤمن الصالح.
28 وَابْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ».: من سؤال الشاب الّذي رفض ملكوت الله من أجل المال، صنع الرب يسوع آية روحيّة يتعلّم منها المؤمن الروحي كيف يدخل ملكوت الله. ومن سؤال بطرس، أجاب الرب يسوع ليفهم المؤمن ما الّذي يأخذه كل من يترك كل شيء ليتبع المسيح كلمة الله.
29 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ: يتكلّم الرب يسوع عن المؤمن الّذي يترك أهمّ ما في حياته لأجل إيمانه وخدمته للرب يسوع. كل ما له حتّى أولاده وأعماله. الحقول هي أعمال الإنسان لحاجاته الجسديّة في العالم.
لماذا يقول لأجلي ولأجل الإنجيل مع أنّ الرب يسوع والإنجيل واحد؟ الرب يسوع هو كلمة الله في الإنجيل، لذلك يترك كل شيء لأجلي، أي كل ما يمنعه عن إيمانه بالرب يسوع المسيح. ولأجل الإنجيل، أي كل ما يمنعه عن خدمة الإنجيل كلمة الله. يترك كل شيء يمنعه عن إيمانه بالمسيح وعن خدمة الإنجيل.
30 إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ فِي هذَا الزَّمَانِ، بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولاً، مَعَ اضْطِهَادَاتٍ، وَفِي الدَّهْرِ الآتِي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.: خادم الرب الّذي يترك بيته وعمله ليخدم كلمة الله الروحيّة، يأخذ في الروح بيوتاً وإخوة وأخوات وأمّهات وأولاد وحقول روحيّة، لأنّ جميع المؤمنين هم إخوته وأخواته وأمهاته وأولاده، والحقول هي الفرص للعمل الروحي. لكنّه يأخذ أيضاً اضطهادات روحيّة من الرافضين لأنّه للمسيح. يأخذ للروح لأنّه يخدم في العمل الروحي، لذلك يأخذ أمّهات وليس أم واحدة، ولا يأخذ آباء لأنّ الله هو الآب الواحد لكل المؤمنين.
31 وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَالآخِرُونَ أَوَّلِينَ».: ولكن كثيرون أوّلون أمام الناس يكونون آخرين عند الله، لأنّهم يخدمون لأهداف لا تمجّد الله فقط بل أنفسهم أمام الناس. وكثيرون يراهم الناس آخرين لكنّهم أوّلين عند الله لبساطة قلوبهم في الإيمان الصالح، ولخدمة الكلمة فقط ليُمجّدوا الله وليس لكي يظهروا أمام الناس. (متّى 6: 1 اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.).
32 وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ أَيْضًا وَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّا سَيَحْدُثُ لَهُ: هكذا المؤمن الّذي يتبع الرب يسوع في الروح، هو في طريقه إلى أورشليم السماويّة يتقدّمه الرب يسوع. كانوا يتحيّرون، لأنّ حديث الإيمان يتحيّر وهو في طريقه إلى ملكوت الله للخلاص، لأنّه لا يفهم كلمة الله الروحيّة. وأيضاً يخاف لأنّه يتبع مسيح الله الّذي يتألّم ويُقتل من الناس، لأنّه لا يفهم عمل الرب يسوع للفداء من أجل الإنسان. لذلك يبدأ الرب يسوع في خدّامه بالتوضيح للمؤمن الّذي يبحث عن الحقّ، ليفهم أنّ الخلاص لا يتمّ إلاّ بموت ابن الإنسان البارّ وقيامته، ليفدي الإنسان الخاطي من الدينونة الأبديّة.
33 «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ: يصعد الرب يسوع إلى أورشليم بإرادته وعن سابق معرفة بأنّه سيُسلّم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، وأنّه يُسلّم إلى الأمم ليقتلوه. آية للمؤمن الروحي الصاعد إلى أورشليم، أي إلى ملكوت الله، (العبرانيين 12: 22 بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ). المؤمن الّذي يتبع المسيح كلمة الله هو في طريقه الروحي إلى الحياة الأبديّة، إلى الخلاص بموت ابن الإنسان الّذي يدفع ثمن خطيّة الإنسان بالموت، ليفدي المؤمن به من الدينونة الأبديّة. (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.). الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد، (تيموثاوس الأولى 3: 16 وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ) لذلك يقول أنّ الّذي يموت هو ابن الإنسان. تكلّم الرب يسوع عمّا سيأتي عليه لأنّه يعلم كل شيء، ليس كالأنبياء والمسحاء الكذبة الّذين يظهرون فجأة دون علم مسبق أو نبوّات. لذلك تمّت النبوّات بمجيء الرب يسوع ليفهم المؤمن أنّه المسيح المنتظر. (أشعياء 53) (مزمور 22). كهنة الله والكتبة يحكمون عليه بالموت ويُسلّمونه إلى الأمم، أي إلى الرومان ليصلبوه.
34 فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».: هكذا تكلّم الأنبياء عن المسيح قبل مجيئه بمئات السنين. (مزمور 22: 7 كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي.) (أشعياء 50: 6 بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ.). هذا هو دليل المحبّة الحقيقيّة، ليس بمشاعر القلب أو بالكلام، إنّما بالتجربة الحقيقيّة الّتي أظهر فيها الرب يسوع محبّته للإنسان. هذه محبّة الرب يسوع لأعدائه. (لوقا 23: 34 فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».). يصعد الرب يسوع بإرادته إلى أورشليم وهو يعلم أنّه سيتألّم ويُقتل، ويعلم أنّه في اليوم الثالث يقوم من الأموات لأنّه بارّ بأعماله. لذلك وضع نفسه حتّى الموت ليدفع ابن الإنسان ثمن خطيّة الإنسان، وببرّ أعماله يقوم من الأموات، فيغفر خطيّة الإنسان بالرحمة والحقّ.
35 وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا».: يتقدّم المؤمن إلى الرب يسوع ليطلب منه كل ما يحتاجه لحياته الروحيّة، لأنّ الرب يسوع قال اطلبوا تجدوا. (متّى 7: 7 «اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. 8لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ.).
36 فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟»: يريد الرب يسوع من المؤمن أن يطلب منه، لأنّه بالطلب الروحي يدلّ على اهتمامه بحياته الروحيّة والأبديّة مع الرب يسوع. لذلك هذا السؤال هو لكل مؤمن يتبع الرب يسوع الّذي يقول: ماذا تريد أن أفعل لك.
37 فَقَالاَ لَهُ: «أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ».: يطلبان أعظم ما يمكن للمؤمن أن يصل إليه في حياته الأبديّة. بعد الخلاص من الدينونة ودخول ملكوت الله يأخذ خادم الرب أجرة خدمته، فلا يطلبها لأنّه سيأخذها حسب إيمانه الصالح وخدمته لكلمة الله. تتكلّم هذه الآية عن شكل الأجرة الّتي سيأخذها المؤمن في حياته الأبديّة مع الرب يسوع.
38 فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟»: قال لهما لستما تعلمان ما تطلبان لأنّهما يطلبان ما لا يحقّ طلبه. لأنّ الجلوس عن يمينه وعن يساره يحقّ للّذين أُعدّ لهم وليس للّذين يطلبونه. لذلك هي آية لكل مؤمن فلا يطلب حسب حكمته البشريّة إنّما فقط ما يحقّ طلبه حسب كلمة الله الروحيّة. الكأس الّتي يشربها الرب يسوع هو الموت ليفدي الإنسان. (لوقا 22: 20 هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.) (يوحنّا 18: 11 فَقَالَ يَسُوعُ لِبُطْرُسَ: «اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي الْغِمْدِ! الْكَأْسُ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟».). والصبغة الّتي يصطبغ بها هي اللعنة من أجل الإنسان. (غلاطية 3: 13 اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».).
39 فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ.: لا يعلمان ما يقولان لأنّهما لا يستطيعان أن يشربا الكأس ولا أن يصطبغا لأنّ البارّ فقط يستطيع. الإنسان الخاطي لا يفدي خاطي مثله، ولا يصطبغ بالّعنة لأنّه أصلاً ملعون بسبب خطيّته. الرب يسوع البارّ بأعماله يشرب كأس الألم والموت ليفدي الإنسان الخاطي، ويصطبغ بصبغة الإنسان الخاطي، أي باللعنة وهو بارّ. أمّا الإنسان الخاطي فيشرب كأس دم الرب يسوع الفادي، أي يعمل حسب كلمة الله الروحيّة للعهد الجديد بالفداء، الّذي صنعه الرب يسوع بموته وقيامته، فيصطبغ بالبرّ بعد قيامة الرب يسوع للحياة الأبديّة. (متّى 26: 27 وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.).
40 وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ».: الجلوس عن يمين الرب يسوع وعن يساره هي الأجرة الأعظم لمن أعدّ لهم. ليس لمن يطلبها إنّما للّذي يستحقّها حسب إيمانه الصالح وخدمته لكلمة الله. هذه هي أجرة المؤمن الروحيّة، فهي كنزه السماوي بقربه من الرب يسوع على قدر إيمانه وخدمته لكلمة الله. لذلك يقول في عدد (44: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا.) أوّلاً، أي الأقرب إلى الرب يسوع.
41 وَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا.: ابتدأوا يغتاظون من طلب يعقوب ويوحنّا لأنّهم يظنّون أنّهم بطلب الجلوس عن يمين وعن يسار الرب يسوع سيتسلّطون على الآخرين.
42 فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.: دعا الرب يسوع تلاميذه ليقول لهم ولكل مؤمن يطلب الرحمة السماويّة، فلا يعمل حسب حكمته في هذا العالم الّذي يزول إنّما حسب كلمة الله للمحبّة السماويّة. لأنّ المؤمن يعلم أنّ رؤساء هذا العالم يسودون على شعوبهم بالقوّة، وأنّ عظماءهم يتسلّطون على الضعفاء.
43 فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا: فلا يكون هكذا فيكم محبّة لشهوات العالم، بل من أراد أن يصير عظيما بعين الرب، يكون خادماً للمؤمنين بالرب. آية روحيّة تقول أنّ عظمة المؤمن الصالح تقاس بمدى خدمته، وليس بقوّته أو تسلّطه.
44 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا.: الّذي يريد أن يصير أوّلا هو الّذي يريد أن يجلس عن يمين الرب يسوع أو يساره، أي يصير الأقرب للرب يسوع في حياته الروحيّة والأبديّة، لذلك لا يطلب المؤمن من الرب يسوع أن يجعله أوّلاً، إنّما يعمل خادماً للحياة الروحيّة وعبداً للمؤمنين في الروح ليصير أوّلا مع الرب يسوع.
45 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».: يطلب الرب يسوع من المؤمنين به أن يخدموا للحياة الروحيّة لأنّه هو أوّلا يعمل بما يقول. لأنّه لم يأت ليُخدم بل ليخدم حتّى الموت، ليفدي الإنسان الخاطي الّذي يؤمن به ويعمل بكلمة الله السماويّة. لم يأت الرب يسوع لتوصيل كلمة الله بالكلام، بل جاء بنفسه ليصنعها ابن الإنسان بأعماله على الأرض أمام الإنسان، فيعمل بها المؤمن الصالح.
46 وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلاَمِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ الأَعْمَى ابْنُ تِيمَاوُسَ جَالِسًا عَلَى الطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي.: جاء الرب يسوع إلى أريحا ليجد في طريقه بارتيماوس الأعمى، فيصنع هذه الآية الروحيّة لشفاء أعمى الروح. أعمى الروح هو الّذي لا يرى الرب يسوع الفادي للحياة الأبديّة، لذلك يحتاج إلى الرب يسوع طبيب الروح. يأتي أعمى الروح إلى كلمة الله في المكتوب فيرى الرب يسوع الفادي. لم يأت الرب يسوع إلى الأعمى لكنّه مرّ من الطريق الّذي يجلس فيه يستعطي، لأنّه يريد من المريض أن يأتي إليه بإرادته. يأتي أعمى الجسد إلى الرب يسوع لأنّ الرب يسوع على الأرض في الجسد، لكنّها آية روحيّة لأعمى الروح فيأتي إلى الرب يسوع في الروح. في هذه الآية يقول الرب أنّ الأعمى يستعطي، لأنّ أعمى الروح لا يعمل بكلمة الله لكنّه يستعطي كلمة الله من كل إنسان يمرّ عليه، لذلك بعد الشفاء يعمل بها حسب المكتوب. آية روحيّة تقول أنّ الرب يسوع يأتي إلى كل إنسان يحتاج إليه لحياته الأبديّة.
47 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ، ابْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!»: يؤمن بيسوع الناصريّ من نسل داود حسب النبوّات، لذلك لمّا سمع أنّه قريب صرخ يطلبه لأنّه يحتاج إلى الرحمة. آية لكل إنسان يطلب الرحمة السماويّة، فلا ينخدع من الأنبياء الكذبة، لأنّه يطلبها فقط من الرب يسوع المسيح الّذي جاء حسب النبوّات الروحيّة، الّتي تكلّمت عن مجيء المسيح الفادي قبل مجيئه بمئات السنين.
48 فَانْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيرًا: «يَا ابْنَ دَاوُدَ، ارْحَمْنِي!».: آية لكل إنسان يطلب المسيح الشافي من الأمراض الروحيّة، لأنّه البارّ والفادي الوحيد للحياة الأبديّة. فلا يهتمّ بالّذين ينتهرونه ليبتعد عن المسيح، بل يصرخ بإصرار يطلب الرب يسوع المسيح طبيب الروح. لا يصرخ بالكلام إنّما يصرخ في الروح بأعماله الّتي تدلّ على إصراره.
49 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا الأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ! قُمْ! هُوَذَا يُنَادِيكَ».: الرب يسوع هو كلمة الله في المؤمنين به، يجول في العالم في خدّامه ليتوقّف عندما يسمع صراخ المؤمن الّذي يطلبه. هذا الصراخ الروحي هو الإصرار بكل إرادة على طلب الشفاء الروحي للحياة الأبديّة. فيأمر الرب يسوع خدّامه أن ينادوا أعمى الروح ليأتي بنفسه إلى طبيب الروح، لأنّ العلاقة مع الرب يسوع هي علاقة شخصيّة دون وسيط. قالوا له ثق! قُم! هوذا يناديك، لأنّها آية لكل إنسان يطلب الشفاء الروحي ليصل إلى الحياة الأبديّة، فيصرخ في الروح، ويثق بالمسيح الشافي، ويقوم ليأتي إليه لأنّه قريب. يجده في الإنجيل، وفي كل مؤمن يعمل بكلمة الله حسب المكتوب، وفي كنيسة الرب يسوع.
50 فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ.: آية لكل مؤمن يأتي إلى الرب يسوع يطلب الشفاء الروحي ليُبصر الحقّ السماوي، فيطرح رداءه، أي يطرح كل التعاليم الّتي يعرفها أو يعمل بها، ويأتي إلى الرب يسوع ليلبس كلمة الله الروحيّة فقط حسب المكتوب. (رومية 13: 14 الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ.).
51 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ الأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ!».: آية روحيّة لشفاء أعمى الروح، ليرى الحياة الأبديّة في الرب يسوع المسيح. لذلك يسأل الرب يسوع كل مؤمن يأتي إليه «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟». يقول الرب يسوع في هذه الآية الروحيّة أنّه يجب على المؤمن أن يعرف ماذا يريد من إيمانه بالرب يسوع، فلا يؤمن ليعمل بتقاليد وعادات الناس ليصبح نسخة من غيره، بل يسأل ويفهم ليعرف لماذا جاء المسيح، فيعرف ماذا يريد لأنّه في علاقة روحيّة مباشرة مع الرب يسوع.
52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي الطَّرِيقِ.: الإيمان الصالح فقط بالرب يسوع المسيح هو الّذي يشفي مريض الروح. لذلك بعد شفائه أبصر الرب يسوع وتبعه في طريقه السماوي. طلب من الرب يسوع فللوقت أبصر، آية لكل مؤمن يطلب ولا يُستجاب، ليفهم من هذه الآية الروحيّة أنّ الرب يسوع لا يؤجّل عمل الشفاء، إنّما هو لم يطلب حسب مشيئة الله السماويّة. (يوحنّا الأولى 5: 14 وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. 15وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ.). مع الرب يسوع في الجسد يبصره بعين الجسد، لكنّها آية للمؤمن الّذي يأتي إلى الرب يسوع في الروح فيبصره بعين الروح.
بمشيئة الآب السماوي، وعمل الابن الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوّة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود