تفسير إنجيل متّى
الأصحَاحُ السَّادِسُ
1«اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 2فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 3وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، 4لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.
5«وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! 6وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. 7وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. 8فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ.
9«فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. 10لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. 11خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. 12وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. 13وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. 14فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. 15وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلَّاتِكُمْ.
16«وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. 17وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، 18لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.
19«لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. 20بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ، حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ، وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ، 21لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا. 22سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، 23وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!
24«لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ. 25«لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ 26اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ 27وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟ 28وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. 29وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. 30فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ 31فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ 32فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. 33لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. 34فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ.
1 اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلا فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْر عِنْد أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: يحذّر الرب يسوع المؤمنين به، أولاد الله، من أن يصنعوا صدقتهم قدّام الناس، كي لا يخسروا أجرهم من أبيهم السماوي، لأنّ الأجرة السماويّة من الله لا تزول، أمّا الأرضيّة من الناس فتزول عند موت الجسد. كل مؤمن يصنع صدقة مع الناس سيأخذ عليها أجره، لذلك عليه أن يختارها مؤقّتة من الناس الّذين يمجّدون عمله وهو في الجسد الّذي يزول، أم يأخذها أجرة أبديّة من الآب السماوي في الروح بعد موت الجسد. ابن الله لا يطلب أجره من الناس لأنّه لا يهتمّ بما للجسد لكن فقط بما للروح. لماذا قال عند أبيكم السماوي ولم يقل عند الله؟ لأنّه يقول أنّ الإنسان يجب أن يكون ابن الله، بإيمانه بكلمة الله الرب يسوع ابن الإنسان، ليأخذ أجره من أبيه السماوي. فلا أجرة من الله لغير المؤمن مهما كانت اعماله صالحة لأنّه منفصل عن الله بسبب الخطيّة.
2 فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَة فَلا تُصَوِتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِع وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ: متى أحسنت إلى محتاج فلا تُحدّث بهذا قدام الناس كما يفعل المراؤون، لأنّك تخسر أجرك من الآب السماوي. من هم المراؤون؟ هم الّذين يُظهرون ما ليس في قلوبهم، يُظهرون الرحمة والمحبّة بالعطاء لكن في قلوبهم يطلبون المجد من الناس، العطاء مقابل المجد وليس عطاء بسبب المحبّة. يتكلّم الرب يسوع عن المحبّة والرحمة الّتي في طبيعة المؤمن به وليس كفرض.
فَلا تُصَوِتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِع وَفِي الأَزِقَّةِ: البوق هو الإعلان بكل إرادة وليس عن خطأ، والمجامع هي جماعة من الناس، كمجمع الكنيسة، الأزقّة هي الدروب الضيّقة وتعني الإنسان الواحد، كالصديق. الآية الروحيّة هي أن تصنع صدقتك أمام الآب السماوي فقط لتأخذ منه أجرة سماويّة أبديّة بعد موت الجسد، فلا تُعلن عنها أمام الغريب أو القريب، لأنّك إن أخذت الأجرة من الناس تخسرها من الآب.
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ: الحقّ يقوله الرب، وهو أنّ الّذي يأخذ أجره على الأرض من الناس لا يأخذه مرّة أُخرى من الآب في حياة أبديّة، لأنّ الأجرة تُأخذ مرّة واحدة.
3 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلا تُعَرّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ: يمينك هو كل من له علاقة ويجب أن يعرف ليتمّ العطاء، كالعامل في مؤسّسة تهتمّ بالمحتاجين. والشمال هو كل من ليس له علاقة في هذا العمل كمجمع الكنيسة أو حتى الصديق. آية يقول فيها الرب أن يعلم فقط من له يد في عمل العطاء لأنّه يمين، ولا يعلم كل من ليس له يد لأنّه شمال. (كالصفر عن يمين الواحد له فعل فوجوده ضروري، أما الّذي عن الشمال فليس له فعل فلا حاجة لوجوده.).
4 لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاء. فَأبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَة: يريد الرب يسوع من المؤمنين به أن ينظروا إلى ما هو روحي أبدي وليس إلى ما للجسد الّذي يزول. لذلك لا يريد الرب يسوع من المؤمن به أن يأخذ أجره من الناس مقابل خدمة أو عطاء، لأنّ الأجرة الماديّة أو المعنويّة تزول بموت الجسد. لكنّ الله الذي يرى كل شيء هو يجازيك علانيّة بأجر لا يزول في حياة أبديّة مع الرب يسوع والمؤمنين.
المحبّة الحقيقيّة هي في فرح العطاء دون مقابل، لذلك الرب يسوع سيجازي كل مؤمن أعطى بمحبّة دون مقابل.
5 وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلا تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ: متى صلّيت لا تكن مُنافقاً تُظهر ما ليس في قلبك، لأنّ المرائي يُظهر للناس أنّه يُصلّي بهدف الظهور أمامهم وليس بهدف الصلاة فقط، حتّى وإن كان يصلّي من القلب فصلاته مرفوضة لأنّ هدف الصلاة يجب أن يكون فقط من أجل الصلاة للرب وليس لإظهار الذات.
فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِع وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ: يُحبّون أن يصلّوا واقفين في المجامع لكي يُظهروا إيمانهم المميّز بين المجتمعين. وفي زوايا الشوارع، أي في الأماكن العامة بين الناس، ليس لأنّهم في علاقة روحيّة مع الرب لكن ليظهروا في صلاتهم بتكرار الكلام فيُمجّدوا من الناس.
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ: من يعمل ليأخذ المجد من الناس لا ينتظر أن يأخذه من الله أيضاً، لأنّ الأجرة تُأخذ مرّة واحدة.
6 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ: آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع أن علاقة المؤمن بالرب هي صلاة خاصّة بينه وبين الرب فقط. ادخل إلى مخدعك، أي مع نفسك، وأغلق بابك كي لا يخرج الصوت من مخدعك، أي بلا كلام يخرج من فمك، لأن لا حاجة لك أن تنطق بكلمات ليسمعك الرب. لماذا يقول متى صليت؟ هل لأنّه يقول أن يُصلّى بانقطاع فيقول متى صلّيت؟ ليس بانقطاع لأنّه يقول صلّوا كل حين (لوقا 18: 1 وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ) (لوقا 24: 53 وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ.) هل يستطيع الإنسان في الجسد أن يبقى في الهيكل يُصلّي كل حين؟ لا يستطيع في الجسد لكنّه يستطيع في الروح لأنّها آية روحيّة تتكلّم عن الصلاة كل حين في النفس والروح (كورنثوس الثانية 6: 16 فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ). (تسالونيكي الثانية 1: 11 الأَمْرُ الَّذِي لأَجْلِهِ نُصَلِّي أَيْضًا كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ) هل يصلّون كل حين بالكلام؟ لا يمكن أن يكون كل حين بالكلام لكن في الروح والنفس، لأنّ الصلاة هي في إرادة المؤمن على العمل بكلمة الرب كل حين. إذا لماذا قال الرب متى صلّيت؟ يتكلّم الرب تاركاً حرّية الاختيار للإنسان فيقول: متى آمنت بالرب واعتمدت بالكلمة الروحيّة فصرت ابناً لله في علاقة دائمة معه حسب المكتوب فادخل إلى مخدعك وصلّي إلى أبيك.
وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ: يقول الرب يسوع في هذه الآية أنّ الصلاة لله فقط، لأبيك الّذي يراك وأنت لا تراه بالعين لكن تؤمن به. قال لأبيك لأنّه يجب أن يكون الله أباً لك ليسمع صلاتك، وهذا يتمّ فقط بالإيمان بالرب يسوع الّذي يُعطي المؤمن به هذا السلطان، فيقبله الله ابناً أوّلا ثم يسمع صلاته، لأنّ الله يقبل الصلاة فقط من أولاده، وهم المؤمنون بابنه الرب يسوع كلمة الله الوحيد على الأرض. (يوحنا 1: 12 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ). الّذي لا يعمل حسب كلمة الله لا يسمع منه الله. (متى 12: 39 فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. 40لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ.) لا يقبل الله الإنسان الخاطي ولا يسمع صلاته إلاّ بعد قبوله لآية يونان النّبيّ، بإيمانه بموت الرب يسوع لغفران الخطايا، وقيامته من الأموات ليقيمه معه في الروح إلى حياة أبديّة. ليسمع الله صلاة الإنسان يجب أن يُطهّر الإنسان نفسه أوّلاً من نجاسة الخطيّة، بإيمانه بدم الرب يسوع الّذي يطهّر الخاطي من نجاسة الخطيّة، فيأتي إلى الله الآب ببرّ إيمانه في حياة روحيّة أبديّة مع الرب يسوع في ملكوت السماوات.
فَأبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَة: أبوك الّذي يرى في الخفاء لأنّه في كل مكان ولا يخفى عليه شيء، هو يُجازي أولاده علانيّة في حياة أبديّة. الصلاة فعل وليس بكلام يخرج من الفم، لذلك قال "أبوك الّذي يرى في الخفاء" وليس الّذي يسمع صوتك في الخفاء، لأنّه يقول أنّه يرى أعمالك وقلبك وليس صوتك. والصلاة فعل أيضاً لأنّه يقول "يُجازيك علانيّة" يُجازيك على ما تفعل باسم الرب يسوع وليس على ما تقول. الصلاة محبّة بالعمل حسب كلمة الرب، لذلك هي باسم الرب يسوع.
7 وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لا تُكَررُوا الْكَلاَمَ بَاطِلا كَالأمَمِ: آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع أنّ الصلاة في الروح وليس بالكلام، الصلاة هي علاقة المؤمن الروحيّة بالرب دون انقطاع. (تسالونيكي الأولى 5: 17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.) من يصلّي بالكلام لا يستطيع أن يصلّي بلا انقطاع، لذلك الصلاة هي علاقة المؤمن الروحيّة بالرب دون انقطاع وليس بالكلام الّذي ينقطع. لا تكرّروا الكلام باطلاً كالأمم، لأنّ الأمم يصلّون بالكلام إلى أصنامهم الّتي لا تسمع، فيكرّروا الكلام باطلاً، لها آذان لكنّها لا تسمع. حينما تصلّون لا تصلّوا كالأمم بالكلام لأنّ الصلاة بالكلام لا يمكن أن تكون بلا انقطاع وبلا تكرار، فإن صلّيت اليوم وصلّيت بعد أيام وقلت كلمة قد قلتها من قبل فأنت تكرّر الكلام، لذلك يقول الرب لا تكرّر الكلام في حياتك معه لأنّه لم يحدّد الزمن الّذي يتمّ فيه التكرار، لأنّه يتكلّم عن تكرار الكلام في حياة المؤمن. الصلاة ليست تكرار كلام يخرج من الفم لأنّ الصلاة روحيّة سماويّة للرب الروحي السماوي فاحص الكلى والقلوب ولا ينتظر أن يسمع الصوت ليعرف ما في القلب، لذلك صلاة المرائي لا تنفعه لأنّ الرب لا يسمع الكلام بل ينظر إلى ما في القلب. (رؤيا 2: 23 فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ الْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.) الصلاة عمل في حياة المؤمن حسب كلمة الرب فاحص أفكار الإنسان.
فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّه بِكَثْرَة كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: لا تصلّوا كالأمم الّذين يظنّون أنّه بكثرة الصلاة بتكرار الكلام يُستجاب لهم.
8 فَلا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْألُوه: قال الرب لا تتشبّهوا بهم، لا تفعلوا ما يشبه أفعالهم، أي لا تصلّوا على طريقتهم بالكلام لأنّ الصلاة بالكلام هي على شبه صلاة الأمم. الصلاة بالكلام تشبه صلاة الأمم الّذين يصلّون ويطلبون من الّذي لا يسمع. أمّا صلاة المؤمن بالله الحيّ فهي صلاة روحيّة دون انقطاع ليس فيها كلام، لأنّ الله الآب يراها في طبيعة المؤمن ويعلم ما يحاجه أولاد الله دون أن يطلبوا منه بالكلام، لذلك قال في عدد 6 أبوك الّذي يرى في الخفاء وليس الّذي يسمع في الخفاء. أوّلاً يجب أن يكون الإنسان من أولاد الله بإيمانه بالرب يسوع كلمة الله، لأنّه يقول "أباكم يعلم ما تحتاجون إليه" والصلاة الروحيّة هي العلاقة الدائمة بين المؤمن وأبيه بالعمل فقط حسب كلمة الله الروحيّة في المكتوب.
9 فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: المؤمن الصحيح هو الّذي يصلّي كما يقول الرب يسوع وليس كما يعتقد فكر الإنسان أنّها صلاة. لذلك يقول الرب يسوع للمؤمنين به صلّوا أنتم هكذا، صلّوا كما أنا أقول لكم أنتم المؤمنون بي، وليس كما يصلّي الّذين يتشبّهون بالأمم بكلام لا يسرّ قلب الله.
أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: تصلّي لأبيك السماوي باسم الرب يسوع كلمة الله في الجسد على الأرض، لأنّه هو الّذي أعطى المؤمن هذا السلطان، والّذي بدونه لا علاقة للإنسان بالله (يوحنا 1 :12 وَأمَا كُلُّ الذِّينَ قَبِلوُه فَأعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أنْ يَصِيرُوا أوْلادَ الله، أيَ الْمُؤْمِنوُنَ بِاسْمِهِ. الَذِّينَ وُلِدوُا ليْسَ مِنْ دمٍ، وَلا مِنْ مَشِيئةِ جَسَدٍ، وَلا مِنْ مَشِيئةِ رَجُل، بلْ مِنَ الله). (يوحنا 14: 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.) لماذا قال الّذي في السماوات؟ لأنّه يتكلّم عن صلاة روحيّة سماويّة للآب الروحي السماوي، أي أنّ الصلاة روحيّة وليس بتكرار الكلام الّذي يخرج من الجسد، لأنّ الصلاة في الروح هي في طبيعة المؤمن السماويّة في برّ إيمانه بالرب يسوع البارّ، فيأتي بروحه البارّ إلى الآب السماوي، وليس بجسده الخاطي الّذي يزول.
لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ: الصلاة هي إرادة الإنسان في تقديس اسم الرب. قال الرب يسوع لا تكرّروا الكلام باطلاً وقال أيضاً صلّوا هكذا. كيف يمكن للمؤمن أن يصلّي هكذا دون تكرار الكلام، هل يصلّي مرّة واحدة في حياته كي لا يكرّر كلامه؟ لكنّ الرب يسوع قال صلّوا بلا انقطاع. إذاً كيف يمكن أن يصلّي المؤمن بلا انقطاع وبدون تكرار الكلام في حياته؟ الصلاة فعل وليس تكرار كلام، فلا يقول بالكلام "ليتقدّس اسمك" بل يعمل على تقديس اسم الرب في حياته كل حين عاملاً في الروح بالكلمة السماويّة، لأنّ كلمة الرب روحيّة لحياة أبديّة (يوحنا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ). وصيّة لا تنطق باسم الله باطلاً لأنّك تقدّس اسم الرب.
10 لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ: الصلاة هي إرادة الإنسان في دخول ملكوت الله الروحي. يطلب المؤمن في قلبه وحياته عاملاً بالكلمة الروحيّة وليس بتكرار الكلام، أن يأتي ملكوت الله السماوي إلى حياته ليأخذ خلاصه الروحي الأبديّ، فيحيا لا لنفسه في حياة أرضيّة مع شهوات الجسد الّذي يزول، بل للرب يسوع الّذي أقامه من الموت الروحي وأعطاه حياة أبديّة في ملكوت السماوات.
لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ: الصلاة هي إرادة الإنسان بالعمل حسب مشيئة الله في المكتوب دون الاهتمام بما يقوله الإنسان على الأرض، لأنّه اختار مشيئة الله السماويّة على الأرض. كالّذي يفهم كلمة الله الروحيّة فيترك كل ما هو أرضي ويعمل بالكلمة الروحيّة دون النظر إلى عادات وتقاليد الناس الّذين لا يعملون في آيات الرب الروحيّة. تكلّم الله عن مشيئته مع الإنسان مستخدماً الأنبياء، وبعمل الرب يسوع ابن الإنسان على الأرض، وسمح أيضاً بمشيئة للشيطان ومشيئة الإنسان في الاختيار، اما في السماء فلا مشيئة إلاّ لله فقط. مشيئة الإنسان يمكن أن تكون جسديّة للموت الأبدي أو روحيّة لحياة أبديّة. مشيئة ابليس هي روحيّة لأنّها لموت الإنسان في الروح معه في جهنّم إلى الأبد. أماّ مشيئة الله فهي سماويّة روحيّة لحياة أبديّة مع الرب يسوع. لذلك المؤمن الّذي يطلب مشيئة الله لا يطلبها بالكلام لكن بالعمل في المكتوب لحياة روحيّة سماويّة على الأرض قبل موت الجسد. لذلك يعمل بها كما في السماء كذلك على الأرض.
11 خُبْزَناَ كَفَافنَاَ أعْطِناَ الْيَوْمَ: الصلاة هي إرادة الإنسان في حاجته للخبز الروحي. لماذا خبزنا كفافنا؟ لأنّه يعطي كل مؤمن يطلب حسب حاجته لإشباع نفسه. لا يتكلّم الرب يسوع عن طلب الخبز الجسدي لأنّه أتى ليمنح الإنسان حياة روحيّة بخبز الروح، أي بكلمة الحياة السماويّة. نطلب منه كلمة الحياة الروحيّة الأبديّة خبزاً يومياً نحيا به على الأرض وإلى حياة أبديّة. (متى 26: 26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي».) الخبز هو كلمة الله في جسد الرب يسوع البارّ المكسّر لأجل الإنسان، كل واحد كفاف يومه حسب طلبه لحاجته الروحيّة في يومه على الأرض. يطلب المؤمن حسب طبيعة إيمانه في حياته وليس حسب تكرار كلامه، ليأخذ باعتماد الإيمان من برّ أعمال جسد الرب يسوع البارّ، الخبز الّذي يُشبع الروح الحيّ، لأنّ روح المؤمن المولود من فوق تطلب البرّ من أعمال الجسد، لكن الجسد الخاطي لا يستطيع إشباع الروح بالبرّ، لذلك تحتاج روح المؤمن الحيّ إلى برّ جسد الرب يسوع الوحيد الّذي لم يفعل خطيّة، ليعمل في حياة روحيّة معه حسب الآيات السماويّة في كلمة الرب يسوع البارّ، ليس بالحرف لأنّ الحرف جسدي لا يصلح لحياة روحيّة، لذلك هي أمثال جسديّة فيها أسرار روحيّة يعمل بها المؤمن في ملكوت السماوات. (رومية 7: 6 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ.) (كورنثوس الثانية 3: 6 الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي.) (مرقس 4: 11 فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ). يرفض المؤمن خبز الجسد الخاطي في شهوات العالم، ويطلب جسد الرب يسوع في برّ الإيمان.
لا يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن طلب الخبز لحاجة الجسد، لأنّه يطلب من المؤمن به ألا يهتمّ بالأكل والشرب واللباس، أي بما للجسد، بل اهتمّوا واطلبوا أوّلاً ما للروح لأنّها للحياة الأبديّة في ملكوت السماوات، وثانياً ما للجسد يُزاد لكم دون أن تطلبوه. (متى 6: 31 فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ 32فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِّهَا. 33لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. 34فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ.).
12 وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إلِيْنَا: الصلاة هي إرادة الإنسان في رفض الخطيّة طالباً الغفران لأنّه هو أيضاً يغفر لغيره. لماذا اشترط غفران الرب يسوع بغفران المؤمنين للآخرين؟ لأنّ الإنسان الّذي يطلب حقّه حسب الناموس يُدان هو أيضاً حسب الحقّ في الناموس. أمّا المؤمن الّذي يطلب الرحمة والغفران حسب محبّة الرب يسوع الّذي مات من أجله دون ذنب، هو أيضاً يغفر للمذنبين إليه حسب الرحمة والمحبّة. على المؤمن أن يختار إما أن يطلب الحقّ لنفسه ويُدان أيضاً بالحقّ، إمّا أن يرحم الآخرين فيطلب الرحمة لنفسه ولا يأت إلى دينونة الحقّ، بل إلى حياة أبديّة مع الرب يسوع الّذي دفع عنه بالحقّ ثمن خطيّة الموت.
13 وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ: الصلاة هي أن لا يُدخل المؤمن نفسه في تجربة بل يهرب من الشرّ وشبه الشرّ الروحي. التجربة روحيّة من فعل الشرّير على المؤمن، يسمح بها الله ليُظهر للمؤمن حقيقة إيمانه بالفعل لا بالكلام. الشرّير هو ابليس مستخدماً الإنسان الشرّير، أو مستخدماً أفكار ضعيف الإيمان الّذي يعمل حسب حكمته البشريّة وليس حسب كلمة الرب الروحيّة، فيبتعد عن الرب يسوع المخلّص الروحي. لماذا يسقط المؤمن في التجربة؟ لأنّه يعمل في حكمة بشريّة لحياة أرضيّة لشفاء الجسد، وليس في حكمة روحيّة لحياة سماويّة لشفاء الروح، فقط حسب المكتوب ليحارب ابليس بكلمة الرب يسوع الروحيّة وليس بأفكار أرضيّة يخدع بها نفسه ظاناّ أنّها لصالحه. يمكن أن تكون لصالح الجسد الّذي يفنى لكنّها لموت الروح إلى الأبد. لذلك قال الرب يسوع فتّشوا الكتب الروحيّة فلا ينخدع المؤمن من أفكاره. (يوحنا 5: 39 فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.). (متى 4: 1 ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ.) ابليس هو المجرّب، جرّب الرب يسوع ابن الإنسان مقدّماً له كل ما يملك في شهوات هذا العالم لأنّه إله هذا الدّهر، والهدف هو الموت الروحي بإبعاد الإنسان عن الحياة الروحيّة وليس حباً للإنسان، لكنّ الرب يسوع قاومه بالمكتوب ليعلّمنا كيف نحارب ابليس. يسمح الرب لإبليس بتجربة المؤمن لأنّ ابليس هو إله هذا الدهر، الدهر الجسدي المادّي الأرضي الّذي يزول (كورنثوس الثانية 4: 4 الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.). لا يُدخل المؤمن نفسه في تجربة ليُظهر قوّة إيمانه، لأنّ الرب يسوع يطلب في هذه الآية من المؤمن به أن يُصلّي كي لا يدخل في تجربة، فلا يمكن له أن يذهب إليها بنفسه.
لأنَ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقوة،َ وَالْمَجْد،َ إلَى الأبَدِ: الصلاة ليست بتكرار الكلام إنّما هي في حياة المؤمن مع الرب. يصلّي المؤمن في الروح للآب السماوي فقط لأنّ له وحده الملك والقوّة والمجد إلى الأبد. الصلاة هي علاقة المؤمن الروحيّة بلا انقطاع بالآب السماوي وحده، من خلال إيمانه بكلمة الله في الرب يسوع المسيح ابن الإنسان، الّذي دفع بموته ثمن الخطيّة ليغفرها للمؤمنين به، فيمنح كل مؤمن به حياة أبديّة سماويّة. الصلاة هي الإيمان بالآب السماوي الّذي يملك على كل شيء وله القدرة على كل شيء، وله كل المجد وحده وليس لغيره. المؤمن له حياة أبديّة من الرب وليس من قوّة نفسه، لذلك يعمل المؤمن في حياة يملك فيها الرب على حياته حسب الكلمة السماويّة، فلا يملك العالم عليه بشهواته. وخلاص المؤمن ليس من قوّة إنسان أو قوّة المؤمن وحكمته إنّما من قوّة الرب البارّ وحكمته الروحيّة في الموت من أجل الإنسان. لذلك المجد ليس للإنسان أو للمؤمن مهما كان إيمانه عظيم، لأنّه خاطي ويستحقّ الموت الأبدي، إنّما المجد فقط للرب البارّ المخلّص من الموت الأبدي.
آمِينَ: هل الصلاة هي بقول كلمة آمين؟ أم هي بالفعل الّذي يُظهر حقيقة الآمين في حياة المؤمن مع الرب الّذي لا يحتاج أن يسمع الصوت لأنّه فاحص الكلى والقلوب.
لماذا تكلم الرب يسوع بصيغة الجمع كما لو كان المُصلي مجموعة؟ مع أنه في عدد 5 و6 تكلم بالمفرد. لأنّ كل المؤمنين المعتمدين بكلمة الرب الروحيّة يصلّون كل حين مع بعض وبلا انقطاع كل واحد في مخدعه الروحي، ليس بتكرار الكلام انّما في نفس واحدة في المحبّة، عاملين حسب المكتوب في حياة روحيّة واحدة. آب سماوي واحد باسم الرب يسوع المسيح ابن الإنسان المخلّص الوحيد لكل مصلّي في الروح حسب المكتوب. فالصلاة واحدة يصلّيها جميع المؤمنين في الروح في آن واحد وبلا انقطاع (لوقا 18: 1 وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ). (تسالونيكي الأولى 5: 17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ).
14 فَإِنَّه إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ: يتكلّم الرب يسوع مع المؤمنين به، لذلك هم أولاد الله لأنّهم يسمعون كلامه، فإن عملوا به يخلصون. قال الرب أبوكم السماوي يغفر لكم لأنّكم تؤمنون بكلمته وتعملون بها، فالّذي يطلب الغفران يغفر هو أيضاً للآخرين زلاتهم. (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.) من آمن بكلمة الرب وعمل فيها خلص وليس من آمن فقط. من آمن بكلمة الرب يسوع هو من أولاد الله في إيمانه بالآب السماوي وليس خوفاً من الديّان، لكن يجب أن يعمل بالكلمة ليخلص.
15 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ: لا يأخذ المؤمن خلاصه إن لم يغفر له الرب يسوع خطاياه أولاً، لذلك المؤمن بالآب السماوي باسم الرب يسوع لكن لا يغفر للناس زلاّتهم، لا يغفر له الآب السماوي زلاته فلا يدخل الحياة الأبديّة (متى 18: 23-35 مثل المديون بعشرة آلاَف وزنة). يُقطع المؤمن الّذي لا يأت بثمر روحي من الكرمة عند موت الجسد لأنّ الخاطي لا يرث الحياة الأبديّةً. (يوحنّا 15: 1 أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ. 2كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ.). كل غصن في الكرمة، أي كل مؤمن بالرب يسوع، يأتي بثمر روحي تُغفر خطاياه ويدخل ملكوت الله بالولادة من الروح ويبقى مع الرب يسوع في حياة أبديّة. أمّا المؤمن بالآب السماوي لكن لا يأت بثمر روحي كالّذي لا يغفر للناس زلاّتهم، لا تُغفر خطاياه فلا يولد من الروح ولا يبقى مع الرب يسوع لأنّه بعد موت الجسد يأتي إلى دينونة أبديّة، لا ليُدان على عدم غفرانه للناس إنّما ليُدان على أعماله حسب الناموس. (متى 7: 1 لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، 2لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ. 3وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟). (غلاطية 5: 22 وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ 23وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. 24وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. 25إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. 26لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا.).
16 وَمَتَى صُمْتُمْ: لماذا يقول الرب "متى صمتم"؟ هل لأنّ الصوم ليس في كل حين؟ الصوم ضرورة روحيّة، لا يدخل المؤمن ملكوت الله إن كان لا يصوم بلا انقطاع. كما قال الرب يسوع متى صلّيت وقال أيضاً صلّوا بلا انقطاع، أيضاً يقول الرب متى صمت فصم بلا انقطاع. قال متى صمت، لأنّ الرب يسوع يترك الحرّيّة للإنسان، لكن متى قرّر الإنسان أن يؤمن بالرب ويصوم، فيصوم كما يقول الرب. كيف يمكن أن يصوم المؤمن بلا انقطاع؟ لا يتكلّم الرب يسوع عن صوم الجسد لذلك لم يحدّد زمن الصوم، لأنّه يتكلّم في آية روحيّة عن صوم الروح بلا انقطاع.
ما هو الصوم الروحي؟ كل ما قاله الرب يسوع وفعله على الأرض هي آيات سماويّة، ليست للحياة الجسديّة إنّما هي أمثال جسديّة للحياة الروحيّة. (يوحنّا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ). الآية هي المثل الأرضي الّذي يخفي في مضمونه حقيقة سماويّة هي أسرار ملكوت السماوات، يكشفها الرب يسوع للمؤمنين به في تفسير المثل مستخدماً تلاميذه الّذين اختارهم بنفسه لهذا العمل، ليعمل المؤمن في الروح بالآية السماويّة ولا يعمل بالمثل الجسدي الأرضي، لأنّ الرب يسوع جاء لخلاص الروح وليس الجسد. (مرقس 4: 11 فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ). (مرقس 4: 33 وَبِأَمْثَال كَثِيرَةٍ مِثْلِ هذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا، 34وَبِدُونِ مَثَل لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ.). ما هو تفسير آية الصوم؟ المثل في آية الصوم هو البعد عن الأكل الجسدي، والحقيقة الروحيّة هي البعد عن شهوات الجسد في هذا العالم الّذي يزول، للاهتمام فقط بما للروح والحياة الأبديّة. الاهتمام الأرضي في إشباع شهوات الجسد هو الأكل الجسدي الّذي يصوم عنه المؤمن باختياره وليس واجب. الحياة مع الرب يسوع ليس فيها واجبات لأنّها حياة المحبّة الحقيقيّة، يترك المؤمن اهتمامه بكل ما للحياة الأرضيّة الجسديّة ليهتّم فقط بحياته الروحيّة مع الرب يسوع مخلّص الروح للحياة الأبديّة، هذا هو الاهتمام السماوي في اشباع شهوات الروح بأكل كلمة الله في جسد الرب يسوع ودمه. (متى 26: 26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». 27وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.).
فَلا تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ: المؤمن الّذي يعتمد بالكلمة الروحيّة يصوم بإرادته عن شهوات العالم بنفسٍ مكتفية فرحاً بحياته الروحيّة لا عابساً، لأنّه لا يهتمّ بما للجسد الّذي يزول. لا تكونوا عابسين كالمرائين لأنّ المرائي هو الّذي يُظهر ما ليس في قلبه. إن كنت فرحاً بصومك فلا تظهر حزناً أو تعباً.
فَإِنَّهُمْ يُغَيرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ: الصوم هو في حياة المؤمن الروحيّة مع الرب الّذي يرى في الخفاء، وليس في إظهاره ليُمجّد من الناس. لأنّ المرائي بإيمانه المزيّف هو الّذي يطلب المجد من الناس وليس فقط من الله.
اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ: من يأخذ أجره من الناس لا يأخذه ثانياً من الله لأنّ الأجرة تُأخذ مرّة واحدة.
17 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ: الإيمان بالرب يسوع هو في الصلاة والصوم الروحي بلا انقطاع. لذلك يطلب الرب يسوع من المؤمن به أن يكون على طبيعته لا يُظهر إيمانه للناس بتغيير وجهه في صورة المسكين، لأنّ الإيمان يظهر بأعمال المؤمن في المحبّة حسب المكتوب وليس بمظهر وجهه، لأنّ المرائي أيضاً يُغيّر وجهه ليظهر أمام الناس. يتكلّم الرب هنا بالمفرد لأنه يتكلّم مع كل مؤمن بمفرده، لأن الصوم الحقيقي هو بين المؤمن ونفسه مع الرب وليس أمام الناس. فادهن رأسك واغسل وجهك، أي كن في مظهرك كعادتك قبل الصوم، فلا تغيّر مظهرك لتظهر للناس صائماً. الصلاة في الجمع لأنّها صلاة واحدة لكل المؤمنين حسب المكتوب الواحد لا تتغيّر من مؤمن لآخر، لذلك تكلّم الرب عن صلاة واحدة يُصلّيها كل مؤمن. أما الصوم فتكلّم عنه الرب يسوع في الجمع "متى صمتم" لأنّ الصوم هو أيضاً واحد لكل المؤمنين وهو في البعد عن شهوات العالم، لكنّه تكلّم أيضاً في المفرد وقال "أمّا أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك" بالمفرد لأنّ الصوم عن شهوات هذا العالم يختلف من إنسان إلى آخر حسب شهوة كل إنسان، لذلك لم يحدد الرب عن ماذا يصوم المؤمن.
18 لِكَيْ لا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ: لا تُظهر أنك صائم فتأخذ أجرك من الناس، بل صم فقط ليظهر إيمانك لأبيك الذي لا تراه بعينك لكن تراه بإيمانك.
فَأبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَة: الصوم عن شهوات العالم الزائل هو دليل الإيمان الحقيقي بالرب يسوع والحياة الأبديّة، والآب السماوي الّذي يرى في الخفاء، أي الّذي يرى ولا يُرى لأنّه في الخفاء، هو يُجازي علانيّة كل مؤمن حسب إيمانه وصومه. يُجازي على الأرض في سلام روحي ظاهر أمام الجميع، وأيضاً يُجازي في الحياة السماويّة الأبديّة لأنّ الّذي يترك ما يزول مؤمناً ومنتظراً الحياة السماويّة يأخذ ما لا يزول في حياة أبديّة. المؤمن لا يرى الله بعينه الجسديّة لكنّه يراه بعين الروح بالإيمان، عاملاً بالكلمة السماويّة دليل الإيمان الحقيقي وليس بالمشاعر أو الكلام ليظهر للناس.
19 لا تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِد السُّوسُ وَالصَّدَأُ: لماذا يتكلّم الرب يسوع عن هذه الآية بعدما تكلّم عن الصوم؟ لأنّه يتكلّم أيضاً عن الصوم في آية سماويّة يشرح فيها معنى الصوم الحقيقي. الصوم هو الامتناع عمّا هو مشروع وليس عن الخطيّة، لأنّ المثل الأرضي هو الامتناع عن الأكل، والأكل مشروع وليس خطيّة، أيضاً الّذي يكنز على الأرض ليس خطيّة حسب الناموس. كلمة الرب روحيّة لا يحدّدها زمن أو مكيال، لذلك الصوم لا يُقاس بالزمن ولا بكميّة الكنز، لأنّه صوم بلا انقطاع في حياة المؤمن الروحيّة. (يوحنا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ). المؤمن الروحي لا يهتمّ بما للجسد لذلك الّذي يكنز على الأرض هو لا يصوم لأنّه اهتمام جسدي. الصلاة والصوم والكنز الروحي هي في علاقة المؤمن بالرب يسوع والحياة الأبديّة، ليس بتكرار الكلام أو الأكل الجسدي أو المادة المكنوزة، لذلك لم يحدد الرب زمن الصلاة أو الصوم لأنّها في كل حين، ولم يحدد ما هو الكنز لأنّ كنز الإنسان ليس بقيمته الماديّة إنّما هو بمقدار اهتمام الإنسان به. لذلك الإيمان هو في الصلاة والصوم في علاقة المؤمن الروحيّة بالرب يسوع الّتي تخلو من كل اهتمام أرضي يزول. كل ما هو مادّي أرضي يُفسده السوس والصدأ، أي تُفسد قيمته هموم الحياة الأرضيّة. السوس لما يؤكل، أي لمن يكنز ما يزيد عن حاجته، والصدأ للمعادن، أي المادّة الّتي تزيد عن حاجة الإنسان. هموم الحياة تُفسد فرح الإنسان بما يظنّه كنزه على الأرض، فيخسر قيمته في قلبه كما تخسر الأشياء قيمتها بسبب السوس والصدأ. الصلاة روحيّة في نفس المؤمن مع الرب يسوع، والصوم هو عدم اهتمام المؤمن بما هو أرضي يزول.
وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ: يخسر الإنسان فرحه بكنزه الأرضي الّذي يُفسده السوس والصدأ، ويخسره أيضاً بسبب الخطاة على الأرض، أو حتماّ بسبب الموت الّذي يسرق حياة الإنسان، فيخسر حياته الأبديّة وكل ما يملك على الأرض.
20 بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ: كيف يكنز الإنسان وهو على الأرض كنوزاً في السماء؟ أوّلا يجب أن يؤمن الإنسان بالحياة السماويّة ليكنز في السماء، ثمّ يعمل في الروح حسب الكلمة السماويّة. لأنّ الّذي يكنز على الأرض يكنز في العمل الجسدي لصالح الجسد، أما الّذي يكنز في السماء فيكنز مستخدماً الجسد حسب كلمة الرب في العمل الروحي، في خدمة الكلمة السماويّة لخلاص الآخرين في الروح، ومن خلال عمل المحبّة في الغفران والعطاء والرحمة، العمل الّذي لا يأخذ عليه أجره من الناس (متى 5: 44 أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ).
حَيْثُ لا يُفْسِد سُوس وَلا صَدَأ: يقول الرب يسوع في هذه الآية أن الأجرة السماويّة لا سوس فيها ولا صدأ، أي لا تفسدها هموم الحياة، لأنّ الحياة السماويّة يسكنها البرّ والسلام الأبدي مع الرب يسوع البارّ رئيس السلام. لذلك يعمل المؤمن في الروح ليكنز في السماء أجرة أبديّة لا تفقد قيمتها إلى الأبد.
وَحَيْثُ لا يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلا يَسْرِقُونَ: يقول الرب يسوع في هذه الآية أن الأجرة السماويّة لا تزول لأنّها لا تُأخذ من المؤمن إلى الأبد. الحياة الأبديّة هي على أرض يسكنها البرّ فلا مكان للخطاة فيها ليسرقوا (بطرس الثانية 3: 13 وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ.). ولا للموت سلطان فيها ليسرق كل شيء لأنّها حياة أبديّة بكل ما فيها. (عبرانيين 2: 14 فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ). (كورنثوس الأولى 15: 54 وَمَتَى لَبِسَ هذَا الْفَاسِدُ عَدَمَ فَسَادٍ، وَلَبِسَ هذَا الْمَائِتُ عَدَمَ مَوْتٍ، فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ: «ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ».).
21 لأَنَّه حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا: إن كان كنزك على الأرض يكون قلبك في العالم وشهواته، لكن هموم الحياة الأرضية تفسد فرحك به، ويُسرق منك إمّا من الخطاة أو حتماً من الموت. وإن كان كنزك في كلمة الرب يسوع الروحيّة، يكون قلبك في الحياة السماويّة الأبديّة تاركاً شهوات الجسد عاملاً بالكلمة الروحيّة.
يقول الرب يسوع لا تكنزوا على الأرض بل في السماء، لماذا لا يستطيع المؤمن أن يكنز على الأرض وأيضاً في السماء؟ لأن الّذي يكنز على الأرض يكنز المادّة فلا يستخدمها ليكنز في السماء، لأنّه بالعطاء يكنز المؤمن في السماء، ليس بقيمة أو كميّة العطاء إنّما بنسبة عطائه ممّا عنده دليل المحبّة باسم الرب يسوع. (مرقس 12: 41 وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاسًا فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا. 42فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. 43فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، 44لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا».).
22 سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ: لماذا سراج وليس نور عظيم؟ لأنّ عين الجسد هي سراج مؤقّت في ظلمة الروح، أمّا عين الروح فهي نور عظيم لحياة أبديّة. السراج هو نور ضعيف يستخدمه الإنسان في الظلمة ليُنير أمام حامله. لذلك عين الجسد هي النور الضعيف الّذي ينير حياة الإنسان على الأرض. لماذا نور ضعيف؟ لأنّ الإنسان على الأرض هو في ظلمة روحيّة، والعين هي سراجه في هذه الظلمة ليرى بها ما يقبله عقل الإنسان في الأمثال الجسديّة الّتي صنعها الرب يسوع آيات روحيّة. فبعد قبوله لكلمة الرب وإيمانه حسب فهمه للأمثال الأرضيّة، يشفيه الرب يسوع من عمى الروح ليرى بعين روحيّة وليس جسديّة نور الحياة السماويّة الأبديّة، فيعمل بكلمة الرب حسب الآيات الروحيّة وليس الأمثال الأرضيّة. المؤمن الّذي يولد من الروح بعد شفائه من ظلمة الموت الروحي يشرق عليه نور كوكب الصبح المُنير. (بطرس الثانية 1: 19 وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ).
فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عيْنكَ شِرِّيرَة فجَسَدكَ كُلهُّ يكُونُ مُظْلِمًا: أيضاً يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن سبب الصوم في هذا العالم، لأنّ العين تشتهي والجسد يفعل الخطيّة أو يهتمّ بما يزول تاركاً ما لا يزول. يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن الإنسان الّذي ينظر إلى الحياة الأرضيّة بعين بسيطة، أي لا ينظر الى شهوات العالم، فلا يحقد ولا يشتهي ما لغيره، فجسده كلّه يكون في سلام مع العالم ومع نفسه، لأنّه لا يعمل بالتعب والهموم أو بفعل الشرّ للوصول إلى أهداف تزول. لذلك صوم المؤمن عن شهوات العالم يمنحه السلام الجسدي مع السلام الروحي الّذي أخذه من الرب يسوع للحياة الأبديّة. وإن كانت عين الإنسان شرّيرة، تشتهي في هذا العالم، فجسده كلّه يكون مظلماً لأنّه لا يعرف السلام بسبب هموم الحياة أو فعل الشرّ للوصول إلى ما يشتهي. الإنسان الّذي يعيش في سلام مع نفسه على الأرض هو الّذي ينظر الى شهوات العالم بعين بسيطة لأنّ هموم الحياة تُفسد سلام النفس، كالسوس والصدأ.
23 فإَنْ كَانَ النوُّرُ الذِّي فيِكَ ظَلامًا فاَلظَّلامُ كَمْ يكُون!: كيف يمكن أن يكون النور ظلام؟ إن كان النور الّذي فيك في الجسد هو ظلام روحي لعدم الإيمان بالنور الحقيقي للحياة الروحيّة الأبديّة في الرب يسوع البارّ، لأنّه الوحيد الّذي لم يفعل خطيّة، وهو الّذي يغفر الخطايا للمؤمنين به. (يوحنا 1: 9 كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. 10كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. 11إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. 12وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. 13اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.) إن كان النور الأرضي الذي في الإنسان هو ظلام سماوي بسبب عدم الإيمان والموت الروحي، لأنّه بالأعمال خطيّة واحدة تكفي لموت الروح إلى الأبد، فكم يكون الظلام الأرضي الّذي في الإنسان بسبب شهوات الحياة وكثرة الخطيّة، ظلاماً جسدياً وروحياً لدينونة أعظم. الصوم والصلاة دون انقطاع هما نور الحياة للجسد والروح. (متى 23: 14 وَيْلٌ لكُمْ أيهَّا الْكَتبَةَ وَالفْرِيسِيوُّنَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ لِذلِكَ تأَخُذوُنَ ديْنوُنةَ أعْظَمَ) ظلمة جسديّة وروحيّة مع دينونة أعظم.
24 لا يَقْدِرُ أَحَد أَنْ يَخْدِمَ سَيدَيْنِ: يكمل الرب يسوع كلامه عن الصوم في آية يشرح فيها لماذا يصوم المؤمن عن العالم وشهواته. لأنّ الإنسان لا يقدر أن يخدم سيّدين. السيّد الأوّل هو الجسد، والثاني هو الروح. إمّا أن يخدم الإنسان نفسه في شهوات الجسد والسيّد هو المال، إمّا أن يخدم نفسه في شهوات الروح والسيّد هو الله. لماذا هو صوم؟ لأنّ المؤمن لا يترك العالم فور ولادته من الروح لكنّه يصوم عن شهواته إلى اليوم الّذي يترك فيه العالم بموت الجسد. يبدأ الإنسان حياته في خدمته للسيّد الأوّل في شهوات الحياة الجسديّة، لأنّ الإنسان يولد أوّلا في الجسد. ثم يولد المؤمن من الروح ليخدم السيّد الروحي، فيصوم عن شهوات الجسد ليأكل خبز الحياة الروحيّة.
لأنَّه إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِد وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ: الخادم يُلازم سيّده كل حين فلا يستطيع أن يخدم آخر. إما أن يُبغض شهوات الحياة الجسديّة فيترك السيّد الأوّل الّذي يزول، ويُحب الحياة الروحيّة مع الرب يسوع السيّد الروحي الّذي لا يزول. أو يُلازم السيّد الأوّل الّذي بدأ معه حياته على الأرض فلا يتركه لأنّه يحتقر السيّد الروحي. إمّا محبّة الله للحياة الأبديّة أو محبّة المال للحياة الأرضيّة الّتي تزول.
لا تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ: لا يتكلّم الرب يسوع عن ترك الحياة الجسديّة إنّما عن رفض الحياة الجسديّة كسيّد في حياة المؤمن. يأكل المؤمن من العالم لأنّه يعيش في العالم، لكنّه لا يهتمّ بالعالم ليأكل من شهواته الّتي تزول، إنّما يعيش فقط للرب يسوع الّذي خلّصه من موته الروحي في دينونة جهنّم. الله هو السيّد الروحي للحياة السماويّة الأبديّة، والمال هو السيّد الجسدي للحياة الأرضيّة الّتي تزول. لا يستطيع الإنسان أن يخدم سيّدين لأنّ الخادم يلازم سيّده كل حين، لذلك يجب أن يختار واحد منهما، إما أن يخدم سيّده الله في حياة روحيّة حسب كلمة الله في الرب يسوع المسيح، فيغفر له خطاياه ويأتي إلى الحياة الأبديّة معه. أو يخدم سيّده المال للحياة الجسديّة في الخطيّة وشهوات العالم الّذي يزول، ثمّ يأتي إلى دينونة الحقّ بعد موت الجسد، ليدفع في الموت الروحي في جهنّم ثمن كل خطيّة صنعها على الأرض. المال سيّد على الّذي يهتمّ بجمع المال، لذلك هو يخدم المال وليس المال يخدمه لأنّه يعمل طوال الوقت لجمعه. أمّا المؤمن بالرب يسوع والحياة الأبديّة فيعمل في الجسد فقط ليحصل على حاجته من المال، ليخدمه المال لا ليخدم هو المال وشهوات العالم الزائل.
25 لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لا تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلا لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ: الصوم هو في عدم اهتمام المؤمن بما يأكل وبما يشرب وبما يلبس، وليس بعدم الأكل والشرب أو اللباس، لأنّها ضرورة جسديّة ولا يمنع الرب الإنسان عن ضرورة جسديّة. أما عدم اهتمام المؤمن بما يأكل وبما يشرب وبما يلبس فهي ضرورة روحيّة، دليل اهتمام المؤمن فقط بالحياة الروحيّة مع السيّد الوحيد الرب يسوع المسيح المخلّص الروحي للحياة الأبديّة. الجسد يزول والروح لا يزول، لذلك يستخدم المؤمن جسده ليكنز في السماء لأجرٍ لا يزول.
لماذا تكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن الأكل والشرب واللباس؟ لأنّه يتكلّم عن أهم ما يحتاجه الإنسان للحياة الجسديّة، فيقول لا تهتمّوا حتّى بأهم ما يحتاجه الجسد.
أَلَيْسَتِ الْحَيَاة أَفْضَلَ مِنَ الطَّعامِ، وَالْجَسَد أَفْضَلَ مِنَ اللِبَاسِ؟: يطلب الرب يسوع من المؤمن به أن يهتمّ بما هو أهم، فلا يُهمل ما لا يزول ليهتمّ بما يزول. الحياة في الجسد على الأرض هي سبب الحياة أو الموت الروحي الأبدي، لذلك يقول الرب يسوع في هذه الآية أنّ الحياة أفضل من الطعام لأنّ الهدف هو الحياة وليس الطعام، والجسد أفضل من اللباس لأنّ الهدف هو الجسد وليس اللباس، فلا يجعل المؤمن من الطعام واللباس هدف الحياة. الطعام للحياة وليس الحياة للطعام. فإن كان الطعام هو سبب الحياة على الأرض فلا تجعلوا منه بالخطيّة والشهوة سبب للموت الأبدي، لأنّ الحياة أفضل من الطعام. وأيضاً اللباس للجسد وليس الجسد للّباس فلا تجعلوا منه سبب لهلاك الجسد في جهنّم، لأنّ الجسد أفضل من اللباس. (متى 10: 28 وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.)
26 اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لا تَزْرَعُ وَلا تَحْصُد وَلا تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا: طيور السماء تعمل لتحصل على قوتها لأنّها تبحث عنه لكن دون أن تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، لأنّ أبونا السماوي نحن المؤمنين بالرب يسوع الّذي جعلنا أولاد الله، هو خالقها ويزرع لها. طيور السماء هي آية يتكلّم بها الرب يسوع عن الإنسان غير المؤمن بابن الله لذلك هو ليس من أولاد الله إنّما هو خليقة الله، ومع هذا يقوته الله في الجسد ولا يتركه. (هوشع 7: 11 وَصَارَ أَفْرَايِمُ كَحَمَامَةٍ رَعْنَاءَ بِلاَ قَلْبٍ. يَدْعُونَ مِصْرَ. يَمْضُونَ إِلَى أَشُّورَ. 12عِنْدَمَا يَمْضُونَ أَبْسُطُ عَلَيْهِمْ شَبَكَتِي. أُلْقِيهِمْ كَطُيُورِ السَّمَاءِ. أُؤَدِّبُهُمْ بِحَسَبِ خَبَرِ جَمَاعَتِهِمْ.). يجب أن يعمل الإنسان ليأكل ويشرب والله يضمن له ما يحتاج. شرّ الإنسان هو سبب مجاعات الناس وليس الله، لأنّ الله خلق الإنسان وخلق له كل ما يحتاجه على الأرض. (التكوين 1: 21 فَخَلَقَ اللهُ التَّنَانِينَ الْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحيَّةِ الدَّبَّابَةِ الْتِي فَاضَتْ بِهَا الْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى اللهُ ذلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. 22وَبَارَكَهَا اللهُ قَائِلاً: «أَثْمِرِي وَاكْثُرِي وَامْلإِي الْمِيَاهَ فِي الْبِحَارِ. وَلْيَكْثُرِ الطَّيْرُ عَلَى الأَرْضِ».) (التكوين 1: 29 وَقَالَ اللهُ: «إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا.). خلق الله للإنسان كل ما يحتاجه ليعمل ويأكل.
لماذا قال أبوكم السماوي يقوتها ولم يقل أبوها السماوي يقوتها؟ لأنّ الله ليس أبوها إنّما خالقها، فهو فقط أبو المؤمنين بالرب يسوع الّذين يعملون حسب كلمة الله الوحيد.
أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِي أَفْضَلَ مِنْهَا؟: ألستم أنتم أفضل من طيور السماء لأنّكم أولاد الله في الرب يسوع؟ أي أنتم أفضل عند الله من غير المؤمنين الّذين لا يعملون بكلمته. هل يُمكن أن يخاف المؤمن وسيّده الله؟ أم يخاف الإنسان وسيّده المال الّذي يزول. المال يزول ولا يضمن السلام للإنسان، لأنّ هموم الحياة تُفسد كل شيء، لكن كلمة الله تضمن السلام الروحي والحياة الأبديّة لأنّها لا تتغيّر ولا تزول ولا يسقط منها حرف واحد.
27 وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيد عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعًا وَاحِدَةً؟: ما هو الأهمّ؟ أن يزيد الإنسان على جسده الّذي يزول أم أن يزيد على نفسه حياة أبديّة؟ من إذا اهتمّ بجسده يقدر أن يزيد على طوله مقياس ذراع واحدة، لكنّه إذا اهتمّ بحياته الروحيّة وأكل في الروح جسد الرب يسوع وشرب دمه، يقدر أن يزيد على نفسه حياة أبديّة (مرقس 14: 22 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، هذَا هُوَ جَسَدِي». 23ثُمَّ أَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. 24وَقَالَ لَهُمْ: «هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ، الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ.) الحياة الأرضيّة هي في حاجة الإنسان للأكل والشرب لاستمرار حياة الجسد الّذي يزول، أمّا الحياة السماويّة الأبديّة فهي في حاجة الإنسان للأكل والشرب الروحي في جسد الرب يسوع البارّ، الخبز الروحي اليومي لاستمرار الحياة الروحيّة فقط حسب المكتوب، وشرب دم الرب يسوع لغفران الخطايا بالإيمان بموته وقيامته من أجل المؤمنين به ليمنحهم بالنعمة حياة أبديّة.
28 وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِبَاسِ؟: لماذا يهتمّ الإنسان بمظهره؟ خلق الله الإنسان وميّزه عن الحيوان بجمال نفسه وليس بجمال لباسه، لذلك لا ينظر الله إلى مظهر الإنسان إنّما إلى قلبه، لذلك هو فاحص والكلى والقلوب (رومية 8: 27 وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.). (رؤيا 2: 23 فَسَتَعْرِفُ جَمِيعُ الْكَنَائِسِ أَنِّي أَنَا هُوَ الْفَاحِصُ الْكُلَى وَالْقُلُوبِ، وَسَأُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ.). جمال الجسد يمكن أن يأخذ الإنسان إلى الخطيّة أما جمال النفس فإلى البرّ. جمال النفس يبقى مع الإنسان طول أيّامه على الأرض، أمّا جمال الجسد فيُفسده الزمن وليس للإنسان قدرة على الحفاظ عليه. الإنسان بشخصه وليس بشكله، لذلك لا ينظر الإنسان إلى مظهر الشرّير لكن إلى قباحة أعماله، وأيضاً لا ينظر إلى مظهر الصالح بل إلى جمال نفسه. خلق الله الإنسان على أجمل صورة لكنّه بالخطيّة شوّه جماله الحقيقي.
تَأمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لا تَتْعَبُ وَلا تَغْزِلُ: المؤمنون في الروح هم زنابق الحقل السماوي، يطعمهم الله خبز الحياة الروحيّة من المكتوب دون أن يتعبوا، ويلبسهم ثوب البرّ الّذي صنعه الرب يسوع البارّ دون أن يغزلوا، أي دون أن يصنعوه لأنفسهم حسب ناموس الأعمال. ينمو المؤمن في إيمانه لابساً ثوب البرّ في المحبّة الحقيقيّة.
29 وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّه وَلا سُلَيْمَانُ فِي كُل مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَة مِنْهَا: ولا سُليمان بكل حكمته ومجده الأرضي كان يلبس كواحدة من زنابق الحقل الّتي ألبسها الله بحكمته. (الملوك الأول 3: 12 هُوَذَا قَدْ فَعَلْتُ حَسَبَ كَلاَمِكَ. هُوَذَا أَعْطَيْتُكَ قَلْبًا حَكِيمًا وَمُمَيِّزًا حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِثْلُكَ قَبْلَكَ وَلاَ يَقُومُ بَعْدَكَ نَظِيرُكَ. 13وَقَدْ أَعْطَيْتُكَ أَيْضًا مَا لَمْ تَسْأَلْهُ، غِنًى وَكَرَامَةً حَتَّى إِنَّهُ لاَ يَكُونُ رَجُلٌ مِثْلَكَ فِي الْمُلُوكِ كُلَّ أَيَّامِكَ.) أخذ سليمان من الله حسب طلبه من الحكمة وزاد له غنىً وكرامة، لكن ما أعطاه الله لزنابق الحقل حسب حكمته الروحيّة، أي للمؤمنين بكلمته، أعظم ممّا يمكن أن تطلبه حكمة إنسان على الأرض، لأنّ الحكمة الحقيقيّة هي في طلب الحياة الأبديّة وليس لما يزول. (متّى 11: 11 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ.) سليمان أعظم من أكل وشرب ولبس في الجسد ويوحنّا أعظم مولود في الجسد لعدم اهتمامه بالحياة الأرضيّة، لكن الأعظم منهما هو المؤمن في ملكوت السماوات، يأكل ويشرب كلمة الرب يسوع في الروح ويلبس ثوب البرّ بالإيمان دون تعب أو حكمة بشريّة. ولا سليمان بكل مجده وحكمته في الجسد كان يلبس كما ألبس الرب يسوع ثوب البرّ للمؤمنين به في الروح.
30 فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَد الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُه الله هكَذَا: عشب الحقل هو الإنسان على الأرض، يوجد اليوم ويُطرح غداً في فرن التنّور، أي في جهنّم، لأنّه رفض لباس الروح للحياة الأبديّة. آية لا يتكلم فيها الرب عن لباس الجسد المادّي إنّما عن لباس الجسد الظاهر بأعمال الجسد واهتماماته، عشب الحقل هو الإنسان في الجسد لأنّه لم يولد من الروح، يلبسه الله حسب أعماله الحسنة في نظر الناس. فكم بالحري يلبس المؤمن المولود من الروح. الله لا يهتّم بلباس الجسد إنّما بلباس البرّ في الروح، ليرجع الإنسان كما خلقه الله على صورته، لأنّ الإنسان بأعماله الشرّيرة شوّه صورته الّتي خلقه الله عليها، لذلك يحرق في التنّور. (المزامير 37: 1 لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، 2فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ.) (بطرس الأولى 1: 22 طَهِّرُوا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ. 23مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً، لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى، بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى، بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ. 24لأَنَّ: «كُلَّ جَسَدٍ كَعُشْبٍ، وَكُلَّ مَجْدِ إِنْسَانٍ كَزَهْرِ عُشْبٍ. الْعُشْبُ يَبِسَ وَزَهْرُهُ سَقَطَ، 25وَأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ».).
أَفَلَيْسَ بِالْحَرِي جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟: خلق الله الإنسان في الجسد ولم يميّز المؤمن بجسد أفضل من الإنسان غير المؤمن، لأنّه لا يريد من المؤمن أن يهتمّ بما للجسد إنّما فقط بما للروح، لذلك ميّز المؤمن بلباس البرّ الّذي صنعه الرب يسوع ببرّ أعماله وبموته وقيامته لخلاص الروح. لذلك لا يهتّم المؤمن بلباس الجسد إنّما فقط بجمال النفس، لباس البرّ في الروح الّذي يُلبسه الرب يسوع للمؤمنين به في الروح. لماذا قال يا قليلي الإيمان؟ لأنّها آية يقول فيها الرب يسوع أنّ من يطلب ما للجسد هو قليل الإيمان، لذلك اطلبوا فقط أن يُلبسكم لباس البرّ في الروح لأنّه لحياة أبديّة. يترك المؤمن للرب الاهتمام بما للجسد ويطلب ما يحتاجه للروح، لذلك لا يأخذ خلاصه في الروح من الرب يسوع الإنسان الّذي يرى في نفسه أنّه لا يحتاج إلى خلاص الروح، أمّا المؤمن فيأخذ خلاصه من الرب لأنّه يحتاج إليه ويطلبه، ليس في تكرار الكلام إنّما لأنّ في نفسه حاجة تطلب كلمة الله للخلاص، فيعمل حسب كلمة الله منتظراً خلاصه.
31 فَلا تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ؟ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ؟ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟: عظيم الإيمان هو الّذي يثق بكلمة الرب الّذي يقول لا تهتمّوا لحياتكم الجسديّة، ليس فقط بشهوات العالم إنّما أيضاً بأهمّ ما يحتاجه الجسد في الأكل والشرب واللباس.
32 فَإِنَّ هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ: الأمور الجسدية تطلبها الأمم، أي يطلبها الغير مؤمن لأنّه جسدي يطلب ما يزول ولا يهتمّ بما لا يزول. لذلك أولاد الله في الروح يطلبون ما للروح فقط. لا يتكلّم الرب عن طلب المؤمن بتكرار الكلام، لأنّها آية يتكلّم فيها الرب يسوع عن طلب النفس لشهوات العالم الّذي يزول، أو طلب النفس للحياة الروحيّة مع الرب يسوع بالعمل حسب الكلمة السماويّة.
لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ كُلِهَا: إن كان الأب الأرضي يعطي في الجسد حاجة أولاده ولا ينتظر أن يطلبوها أوّلاً، فكم بالحري يعطي الآب السماوي حاجة أولاده دون أن يطلبوها. الله خالق الإنسان يعلم ما يحتاجه الإنسان دون أن يطلب.
33 لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلا مَلَكُوتَ الله وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَاد لَكُمْ: اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه في الرب يسوع فتزاد لكم كل حاجة روحيّة، وأيضاً الجسديّة دون أن تطلبوها. لا يطلب المؤمن الروحي كما تطلب الأمم، أي كما يطلب غير المؤمن، لأنّ الفرق بين المؤمن والغير مؤمن هو في روح المؤمن الحيّ والروح لا يطلب ما يزول. الإنسان الّذي لا يعمل حسب كلمة الرب الروحيّة يطلب ما للجسد، لكنّ المؤمن الّذي يعمل حسب كلمة الرب الروحيّة يطلب فقط ملكوت الله وبرّه، فتُعطى له حياة روحيّة على الأرض وإلى حياة أبديّة، وكل ما يحتاجه الجسد في حياته المؤقّتة على الأرض يُزاد له حسب مشيئة الرب دون أن يطلبه، لأنّ أبانا السماوي يعلم ما يحتاجه الإنسان في الجسد. يطلب المؤمن الروحي ملكوت الله وبرّه في حياته بالعمل حسب المكتوب وليس في تكرار الكلام، فيُصلّي كما قال الرب في عدد 9 عاملاً بالمكتوب وليس قائلاً المكتوب، لأنّ كلمة الله فعل.
لماذا يقول الرب لا تطلبوا ما للجسد إنّما فقط ما للروح؟ لأنّ الإنسان على الأرض هو في فرصة خلاصه الروحيّة لحياته الأبديّة، فالهدف هو الحياة الروحيّة وليس الجسديّة، لذلك قال الرب أنّه يهتّم للمؤمن بحياته الجسديّة ليهتّم هو فقط بحياته الروحيّة الأبديّة. كونوا أوّلاً أولاد الله في برّ الرب يسوع الفادي، عاملين حسب المكتوب، وكل حاجة روحيّة وجسديّة تُزاد لكم. لأن الأب يُعطي أولاده كل ما يحتاجون إليه قبل أن يطلبوه.
34 فَلا تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَد يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّه: لا تهتموا بالغد بما فيه من هموم الحياة، لأن في الغد ستهتم بما للغد، يكفي شرّ اليوم لليوم ولا تزيد على نفسك شرّ هموم الغد أيضاً. هذا هو جبل الحياة الجسديّة الّذي يطرحه عظيم الإيمان في البحر (متى 21: 21 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلاَ تَشُكُّونَ، فَلاَ تَفْعَلُونَ أَمْرَ التِّينَةِ فَقَطْ، بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضًا لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ فَيَكُونُ. 22وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ») هذا الجبل هو هموم الحياة الجسديّة الّذي أمام كل إنسان على الأرض. بالإيمان دون شك يطرح المؤمن الشرّ الّذي في هموم الحياة الجسديّة في البحر، أي في العالم، لأنّ المؤمن الّذي ترك العالم ودخل ملكوت السماوات في الروح يطرح من أمامه جبل الهموم الجسديّة، بعدم اهتمامه بما للجسد الّذي يزول. (لوقا 12: 4 وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ يَا أَحِبَّائِي: لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ، وَبَعْدَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مَا يَفْعَلُونَ أَكْثَرَ.) إن كان المؤمن لا يخاف من الّذين يقتلون الجسد إذاً هو لا يهتمّ بما للجسد.
باسم الآب السماوي خالق السماوات والأرض، والابن الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود