تفسير إنجيل مَتَّى
الأصحَاحُ الثَّالِثُ
1وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ 2قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. 3فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». 4وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا. 5حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ، 6وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ.
7فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟ 8فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 9وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ. 10وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 11أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. 12الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ».
13حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. 14وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!» 15فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. 16فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، 17وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».
1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ: يوحنا كان يكرز في البرّيّة، أي خارج العالم المليء بالشهوات والاهتمامات الجسدية، لأنه كان يكرز عن اقتراب ملكوت السماوات. كان يكرز في البرّيّة، أي أنّه كان في العالم لكنّه لم يكن من العالم، فلباسه كان واحد، وطعامه أيضاً واحد، لأنّها احتياجات جسديّة فقط وليس اهتمامات وشهوات، لأنه عاش حياة روحيّة وليس جسديّة في ملذّات هذا العالم، فكان يعمل فقط للمجد السماوي والحياة الأبديّة وليس للجسد الزائل، لذلك عاش فقط للمسيح وخدمة الكلمة، لهذا قال عنه الرب يسوع: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ (متى 11: 11). لماذا في برّية اليهوديّة لأنّ الرب يسوع يأتي أوّلاً إلى بيته، بيت إسرائيل، ومنه إلى الأمم. فكل مؤمن يكرز في ملكوت السماوات يبدأ أوّلاً في بيته ثمّ إلى جميع الناس.
2 قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ.: يوحنا المعمدان هو الصوت الّذي استخدمه الرب ليصرخ في البرّيّة عن اقتراب ملكوت السماوات. أي اقتراب مجيء الرب يسوع الملك السماوي لملكوت السماوات على الأرض مع الإنسان. ما هو ملكوت السماوات؟ هل هو مكان؟ ليس لملكوت السماوات مكان لأنّ السماوات غير محدودة والمكان محدود، إنّما هو ملكوت الحياة الروحيّة السماويّة الأبديّة وليس الأرضيّة بحسب الجسد المحدود. هو ناموس الإيمان في كلمة الرب للحياة السماوي في حياة المؤمن الروحيّة، الحياة الروحيّة الّتي يحيا بها المؤمن مع الملك السماوي الرب يسوع المسيح.
الحياة الأبدية تبدأ من هنا على الأرض لأن ملكوت السماوات هو أتى إلينا وفتح الباب لكل من يريد الدخول إلى الحياة الأبدية، فكل ما يجب على الإنسان فعله هو ترك مشتهيات هذا العالم الجسدي الزائل، والدخول إلى ملكوت السماوات الروحي الأبدي بالعمل حسب الكلمة السماويّة، كلمة الله في ملك الملوك ورب الأرباب يسوع المسيح.
3 فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً».: (أشعياء 40: 3) يصرخ الرب في البرية بصوت يوحنا المعمدان، كما يصرخ الرب اليوم بصوت تلاميذه الّذين يختارهم لخدمة الكلمة، ومن خلال كل مؤمن أخذ خلاصه فيعمل على خلاص آخرين. يوحنا هو الصوت الذي استخدمه الرب ليكرز به في برّيّة اليهوديّة عن مجيء الرب يسوع لغفران الخطايا وخلاص النفوس.
لماذا في البرّيّة؟ لأنّها آية تتكلّم عن حياة الإنسان المجرّدة من الشهوات والاهتمامات الجسديّة الّتي تزول في عالم مليء بالخطيّة. لذلك لا يصرخ الرب يسوع بصوت الّذين يعيشون للحياة الجسديّة وشهواتها، ولا يصرخ بصوت الّذين يخدمون الكلمة لمصالحهم الشخصيّة، بهدف المنفعة الماديّة أو المعنويّة، كالّذين يخدمون ليظهروا للناس، وليس محبّة دون مقابل. (متى 6: 5 – 6 وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.). هذه هي البرّية، فهي حياة المؤمن مع الرب يسوع الّذي يرى كل شيء ويجازي على كل شيء، وليس مع العالم الزائل.
أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِ: أعدّوا طريق الرب إلى قلوبكم لخلاص نفوسكم، أي اجعلوا طريقاً للرب إلى قلوبكم فيأتي إليكم ويسكن فيكم لخلاص نفوسكم. الرب يسوع لا يأت بالقوّة إلى الإنسان، لأنّ الله خلق الإنسان على صورته كشبهه حرّ نفسه لا يُجبَر على شيء لا يريده، إن كان من الله أم من ابليس، لذلك هو يختار الحياة أم الموت. لكنّ الله لم يتركه، فوضع أمامه طريق الحياة وحذّره من الموت وتركه يختار. لذلك يصرخ الرب بصوت المؤمنين بالكلمة ويقول أعدّوا طريق الرب إلى قلوبكم لتأخذوا منه حياة أبديّة.
كيف نعدّ طريق الرب؟ نعدّ طريق الرب كما قال يوحنّا "توبوا لأنّه قد اقترب ملكوت السماوات" أعدّوا طريق الرب بالتوبة عن الخطيّة ورفضها في حياة روحيّة وتواضع كالأولاد مع الرب يسوع بالعمل حسب الكلمة السماويّة. (متى 18: 3 إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.)
اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَة: سبل الرب هي كلمة الله. هي آيات الرب الروحيّة، يعمل بها المؤمن لهدف واحد هو الخلاص. اجعلوا كلمة الله مستقيمة لتعملوا بها في حياة روحيّة لا لمصالح جسديّة تزول.
(يوحنا 14: 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.)
اقبلوا طريق الرب الوحيد لخلاص النفوس، عاملين بكلمة الحقّ السماوي فتصلوا إلى الحياة الأبديّة.
4 وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا.: يوحنّا هذا، هو الّذي قال عنه الرب يسوع أنّه أعظم مولود من النساء، كان لباسه وطعامه من البريّة وليس من صنع الإنسان في مشتهيات هذا العالم، هذا يدل على عدم اهتمامه بالعالم وشهواته، لأنه لم يهتم بما للجسد بل بما للروح. آية تتكلّم عن يوحنّا الّذي عاش حياة روحيّة صائماً عن شهوات العالم واهتمامات الجسد. هذا هو الصوم الروحي. صائماً كل حين.
وعلى حقويه منطقةٌ من جلد: على خاصرته حزام من جلد. هذا هو إيليّا الّذي جاء يوحنّا المعمدان بروحه وقوّته (الملوك الثاني 1: 8 فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّهُ رَجُلٌ أَشْعَرُ مُتَنَطِّقٌ بِمِنْطَقَةٍ مِنْ جِلْدٍ عَلَى حَقْوَيْهِ». فَقَالَ: «هُوَ إِيلِيَّا التِّشْبِيُّ».) (لوقا 1: 17 وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ).
لماذا على حقويه منطقة من جلد؟ لأنّه متشدّد ببرّ الرب وقوّته، محميّ من الخطيّة بفداء الرب يسوع وليس ببرّ نفسه، لأن خطيّة واحدة تكفي لموته، إذاً هو مختوم بكفالة أبديّة ضد الموت. لا ببرّ أعماله إنّما ببرّ إيمانه بالرب يسوع البارّ بأعماله. الجلد يرمز لذبيحة حيوانيّة، والذبيحة ترمز لفداء الرب يسوع وغفران الخطايا بدمه. آية تتكلّم عن حاجة الإنسان للفداء بدم الرب يسوع، حتّى يوحنا المعمدان، أعظم المولودين من النساء كما قال عنه الرب يسوع، أي أعظم إنسان بأعماله من المولودين في الجسد، لكنّه ليس بدون خطيّة، لذلك يحتاج إلى الولادة من الروح ليأتي إلى حياة أبديّة بغفران الخطايا بدم الرب يسوع البارّ الوحيد في الجسد. جاء يوحنا المعمدان ليُخبر عن مجيء الرب يسوع المخلص، لذلك كان يلبس ثوب الخلاص الّذي يتكلّم عنه، وهو عدم الاهتمام بما للجسد وشهوات هذا العالم، بل فقط بما للروح بالإيمان واعتماد كلمة الرب لحياة أبديّة. (أمثال 31: 17 تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالْقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا.) (إشعياء 11: 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ.).
يقول الرب يسوع لكل مُبشر بالخلاص والحياة الأبديّة، أن يلبس هو أوّلاً ثوب خلاصه بقبوله للرب يسوع مخلص لحياته، باعتماد الكلمة الروحيّة السماويّة حسب المكتوب، ثم يُبشّر بالخلاص لغيره. بيته أوّلاً ثمّ إلى البيوت الأخرى، كما جاء الرب يسوع إلى بيته أوّلاً ثمّ إلى الأمم.
آية تتكلّم عن حياة كل مؤمن يعتمد كلمة الرب يسوع، فلا يهتم بحياة الجسد الّذي يزول، بل بحياته الروحيّة الأبديّة وخدمة الكلمة لخلاص النفوس.
(الاويين 11: 22 هذَا مِنْهُ تَأْكُلُونَ: الْجَرَادُ عَلَى أَجْنَاسِهِ) (المزامير 81: 16 وَكَانَ أَطْعَمَهُ مِنْ شَحْمِ الْحِنْطَةِ، وَمِنَ الصَّخْرَةِ كُنْتُ أُشْبِعُكَ عَسَلاً».)
5 حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ: هذا هو ثمر الخدمة، نتيجة عمل يوحنا المعمدان في الوزنات الّتي أخذها من الرب، فأعطى ثمراً كثيراً. بدأوا يخرجون من العالم ليُعدّوا طريق الرب بالتواضع والإيمان والبعد عن شهوات العالم، ويصنعوا سبله مستقيمة بالتوبة عن الخطيّة والبعد عن كل شبه شرّ. هذه هي معموديّة يوحنّا بالماء، فيأتي بعده الرب يسوع ليُعمّدهم بالروح القدس فيدخلوا ملكوت السماوات والحياة الأبديّة.
آية تتكلّم عن كل إنسان يريد الدخول إلى ملكوت السماوات، فيخرج من شهوات العالم إلى بريّة الحياة الجسديّة، ويعتمد بماء الكلمة الروحيّة السماويّة معترفاً بخطاياه تائباً عنها ورافضاً لها أمام نفسه وأمام الرب يسوع، وينتظر دخول الرب يسوع إلى حياته ليدخل ملكوت السماوات والحياة الأبديّة.
6 وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ.: آية تتكلّم عن اعتماد المؤمن الّذي يسمع الصوت، فيفتح الباب باعتماده في الروح بكلمة الرب الروحيّة لخلاص الروح. الماء هو المثل الأرضي لأنّه لتطهير الجسد، وكلمة الرب هي الحقيقة الروحيّة لأنّها لحياة سماويّة لتطهير النفس باعتراف المؤمن بخطاياه تائباً عنها مطهّراً نفسه بدم الرب يسوع الفادي. (مرقس 4: 10- 11 وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ سَأَلَهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ عَنِ الْمَثَلِ، فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِالأَمْثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ.). كان الرب يسوع يقرع بصوت يوحنا المعمدان، لأنّه صوتُ الربّ الصارخ في البريّة. (رؤيا: 3: 20 هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي.) يوحنّا المعمدان هو كل خادم للكلمة يستخدمه الرب ليصرخ بصوته، قارعاً على الباب لخلاص الإنسان، فمن يسمع الصوت ويفتح الباب يأتي إلى خادم الربّ ليعتمد في الروح بماء الروح، أي بالكلمة السماويّة معترفاً بخطاياه أمام نفسه وأمام الرب، فيدخل الرب يسوع بالروح القدس إلى حياته ليمنحه الحياة الأبديّة معه.
7 فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟: الفرّيسيّون والصدّوقيّون (متى 15: 1-8) هم مُعلّمون يهود ليس لهم حياة روحيّة لأنّهم يهتمّون بالعادات والتقاليد، لذلك تعاليمهم خاطئة. آية تتكلّم عن كل الّذين يُعَلّمون أو يعملون في فرائض وتقاليد جسديّة، وليس في كلمة الله الروحيّة بالمكتوب فقط بقوّة الروح القدس. (تيموثاوس الثانية 3: 16 - 17 كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.).
يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ: معموديّة يوحنا هي معمودية التوبة باعتراف المؤمن بخطاياه فاتحاً الباب للرب يسوع، المطهّر الوحيد من نجاسة الخطيّة، وليست فريضة أو مظهر من مظاهر الإيمان كما يفعل الفرّيسيّون والصَدّوقيّون والمتشبّهون بهم.
قَالَ لَهُمْ: يَاأَوْلاَدَ الأَفَاعِي: أولاد الأفاعي هم أولاد الشياطين (رؤيا 12: 9 فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ) أولاد الأفاعي هم الذين يعملون أعمال إبليس (يوحنا 8: 44 أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ).
مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَب الآتِي؟: الغضب الآتي هو الدينونة والموت الأبدي، ومن أراهم أن يهربوا منه هو إبليس الّذي يخدع كل من يعمل حسب فكر الإنسان الباطل وليس حسب كلمة الله في المكتوب فقط، معتقدين أنّهم إن اعتمدوا من يوحنا بالماء يهربون من غضب الله وعدله. لأنهم لم يأتوا بقلبٍ يطلب غفران خطاياهم حسب مشيئة الآب وعدله بقبول الرب يسوع مخلّص لحياتهم، إنما أتوا كفرض يجب فعله ليس أكثر، كالّذين يأتون مع المجتمعين باسم الرب كفرض أمام الرب أو الناس، وليس للفرح الروحي بالكلمة مع المجتمعين. هذا يقوله الرب لأنّه هو الصارخ بصوت خدّامه لخلاص الإنسان، يقوله لكل مؤمن لا يعتمد كلمة الله في حياة روحيّة، لكنّه يعمل بعادات وفرائض جسديّة ليُظهر إيمانه أمام الناس. يرفض الرب يسوع هذا الإيمان لأنّه إيمان جسدي يزول وليس حسب آيات الكلمة الروحيّة، لذلك لا يصلح للحياة الروحيّة الأبديّة.
8 فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ.: (غلاطية 6: 22 – 23 وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ.) (متى 6: 12 اغْفِر لَنا ذُنُوبَنا كَما نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِين إِلَيْنا.) لا يُغفر لنا إن لم نغفر لغيرنا. التوبة عمل وليس كلام، لأنّه يقول توبوا عن الخطيّة أمام الرب بأعمال تليق بالتوبة. وليس بكلام تردده لتحصل على غفران.
9 وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ.: يقول لهم ألاّ يفتكروا أنّهم يأخذون الغفران ولا يأتون إلى دينونة العدل السماوي لأنّهم أولاد ابراهيم في النسل الجسدي، لأنّ الغفران لا يتم إلاّ بالتوبة عن الخطيّة والإيمان بالرب يسوع المسيح الّذي دفع ثمن الخطيّة بموته. لا يخلص إنسان من دينونة العدل السماوي لأنّه من نسل إبراهيم في الجسد، أو لأنّه من نسل إنسان أخذ الخلاص، لأنّ الخلاص يتمّ فقط بإيمان الإنسان بالرب يسوع الفادي والعمل بالمكتوب وليس بالتوارث. لأنّ الرب يسوع هو وحده دفع بدمه ثمن الخطيّة ليغفر بالعدل خطيّة كل من يؤمن به. فكل من يقول أنّ له أب أو مخلّص غير الرب يسوع المسيح، يجعل نفسه ابنا لإبليس ونار جُهنّم. لهذا قال عنهم يوحنا يا أولاد الأفاعي.
إنَّ الله قَادِر أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَة أَوْلاَدًا لإِبْراهِيم: الحجر هو الإنسان، فعندما يؤمن بالرب يسوع يصبح ابناً لإبراهيم بنسل الإيمان لأنّ إبراهيم هو أبو المؤمنين. المؤمنون هم حجارة الكنيسة المبنيّة على الصخرة، الرب يسوع المسيح. (رومية 4: 16-18 لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: «هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ».). النسل هو من ثلاثة: نسل الجسد من الإنسان في الجسد. ونسل الروح من الله في الروح، الرب يسوع ابن الإنسان وابن الله، من نسل الجسد والروح، وكل مؤمن به يأخذ الخلاص هو أوّلاً من نسل الجسد ثمّ من نسل الروح أيضاً (يوحنا 1: 12 – 13 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.). ونسل الإيمان من إبراهيم باعتماد ذات الإيمان.
10 وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.: الفأس هي الكلمة والشجر هم المؤمنون وأصل الشجر هو الإيمان الواحد الّذي يغذّي المؤمنين، كل شجرة تنمو حسب قوّة جذرها، أي كل مؤمن حسب قوّة إيمانه، لذلك لم يقل وضعت الفأس على أصول الشجر، أي جذور الشجر، لأنّه يتكلّم عن الإيمان الواحد وهو الإيمان بكلمة الرب. آية يكلّم بها المؤمنين بالكلمة لكنّهم دون ثمر روحي. بمجيء الرب يسوع، المخلص من الخطيّة والموت الروحي، وُضعت الفأس على أصل الشّجر، أي كل مؤمن بالرب يسوع لا يصنع ثمر روحي لا يدخل ملكوت الله، لأنّ الخلاص لا يتم فقط بالإيمان إنّما بالإيمان والاعتماد (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ). المؤمن بكلمة الله لكن لا يعمل بها، أو المؤمن الّذي يصنع ثمر لهدف أرضي لا يصلح للحياة السماويّة، هو شجرة بلا ثمر روحي، لذلك يُقطع إلى الأبد من كنيسة الرب بعد انتهاء الفرصة بموت الجسد (متى 6: 16 وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ.) هذا ثمره رديء لأنّه أرضي لذلك يُقطع من كنيسة الرب السماويّة ويأتي إلى دينونة. تقطع الشجرة من الجذر وهذا يعني أن لا فرصة أخرى للخلاص بعد موت الجسد، لأن الثمر يُصنع على الأرض قبل أن تقطع الشجرة من الإيمان غير المثمر عند موت الجسد. فلا إيمان بعد موت الجسد إلى الأبد لأنّه قطع عند انتهاء الفرصة.
11 أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ.: يوحنا يعمّد الآتين إليه بالماء ليتوبوا عن خطاياهم، هؤلاء هم الّذين سمعوا الصوت وفتحوا الباب. يوحنّا اليوم هو كل مؤمن يقرع بصوته الرب يسوع على الباب، فالّذي يسمع الصوت ويفتح الباب يأتي إلى معموديّة الماء، أي معموديّة الكلمة الروحيّة للتوبة. الماء هو كلمة الرب الروحيّة لتطهير الروح من نجاسة الخطيّة. المثل الأرضي هو الماء لأنّه لتطهير الجسد في حياة جسديّة، والحقيقة الروحيّة هي كلمة الرب الروحيّة لتطهير الروح. آية تتكلّم عن كل إنسان يسمع صوت الرب الصارخ في خدّامه، فيأتي إليه ليعتمد بماء الكلمة الروحيّة معترفاً بخطاياه تائباً عنها أمام نفسه وأمام الرب يسوع، منتظراً دخول الرب يسوع في الروح القدس إلى حياته على الأرض، ليمنحه حياة أبديّة معه في الروح قبل موت الجسد وإلى الأبد.
وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِني: أوّلاً يأتي يوحنّا مبشّراً بملكوت السماوات، فقط حسب كلمة الرب في المكتوب، ثمّ يأتي الّذي أقوى منه، الرب يسوع المسيح ملك الملوك ورب الأرباب، غافر الخطايا بدمه والمخلّص الوحيد من الموت الأبدي في نار جهنّم، ومُعطي الحياة الأبدية.
الَّذِي لَسْتُ أَهْلا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَه: هل يضع يوحنّا نفسه في مقارنة مع الرب يسوع لأنّه يقول أقوى منّي؟ لا مقارنة بين الإنسان والرب يسوع، لأنّها آية تقول أنّ يوحنّا، أعظم مولود في الجسد من نسل آدم، ليس أهلاً أن يحمل حذاء الرب يسوع البارّ، لأنّ خطيّة واحدة تكفي لموت الإنسان في الروح إلى الأبد، والرب يسوع قدّوس مولود من الروح القدس ولم يفعل خطيّة. (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.) (يوحنا 1: 12 - 13 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.) هذا هو السلطان والقوّة، قوّة المحبّة العظيمة للإنسان، وهي موت الربّ البارّ من أجل الإنسان الخاطي.
لماذا حذاء الرب يسوع؟ الحذاء يستخدمه الإنسان ليسير به على الأرض فإن مشى به في أماكن نجسة يتّسخ الحذاء فلا يصلح أن يقف به أمام الله، هذا هو الإنسان النجس بسبب الخطيّة الّتي يفعلها بإرادته (خروج 3: 5 فَقَالَ: «لاَ تَقْتَرِبْ إِلَى ههُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ».). أمّا حذاء الرب يسوع فهو حذاء طاهر لأنّ الرب يسوع بارّ لا يأت به إلى أماكن نجسة. لهذا الإنسان المتّسخ بالخطيّة ليس أهلاً، أي لا يصلح ولا يستحقّ أن يحمل حذاء الرب يسوع البارّ. حتّى وإن كان يوحنّا المعمدان أعظم مولود في الجسد. لكن المولود في الروح يلبسه الرب يسوع حذاءه الطاهر ليدخل به إلى ملكوت السماوات ويصبح من أولاد الله. (لوقا 15: 21 – 24 فَقَالَ لَهُ الابْنُ: يَا أَبِي، أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ، وَلَسْتُ مُسْتَحِقًّا بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. 22فَقَالَ الأَبُ لِعَبِيدِهِ: أَخْرِجُوا الْحُلَّةَ الأُولَى وَأَلْبِسُوهُ، وَاجْعَلُوا خَاتَمًا فِي يَدِهِ، وَحِذَاءً فِي رِجْلَيْهِ، 23وَقَدِّمُوا الْعِجْلَ الْمُسَمَّنَ وَاذْبَحُوهُ فَنَأْكُلَ وَنَفْرَحَ، 24لأَنَّ ابْنِي هذَا كَانَ مَيِّتًا فَعَاشَ، وَكَانَ ضَالاًّ فَوُجِدَ. فَابْتَدَأُوا يَفْرَحُونَ.) الّذي يلبسه الرب يسوع حذاء برّه لا يأت به إلى خطيّة. هذا الفرق بين الإنسان الخاطي الّذي يذهب بنفسه وبكل إرادته إلى الخطيّة، وبين المؤمن، بالرب يسوع البارّ، الّذي يرفض الخطيّة ويحاربها، لكن يمكن له أن يقع فيها وهو يسير في طريقه وليس ذاهباً إليها. الّذي يترك حذاءه النجس ويلبسه الرب يسوع حذاء برّه الروحي، يهرب به من الشرّ وشبه الشرّ.
هذه هي محبّة الرب يسوع العظيمة، وهي أنّه مات من أجل الإنسان النجس بالخطيّة الّذي لا يستحق أن يحمل حذاءه، لكنّه فداه بدمه ليس لأنّه يستحقّ بل فقط لأنّ محبّة الرب يسوع عظيمة.
هُوَ سَيُعَمدُكُمْ بِالرُّوح الْقُدُسِ وَنَار: لماذا لم يقل يوحنّا عن نفسه أيضاً، لأنّه قال سيعمّدكم وليس سيعمّدنا بالروح القدس ونار؟ لأنّ يوحنّا عمّده الرب بالروح القدس وهو في بطن أمّه (لوقا 1: 15 لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ) يوحنّا أخذ الخلاص قبل موت وقيامة الرب يسوع لأنّه آمن بالرب يسوع الفادي الّذي يأتي، كما آمن إبراهيم وكل الّذين أخذوا الخلاص قبل مجيء الرب يسوع، لأنّهم آمنوا بالفادي الّذي يأتي، كما نؤمن اليوم بالرب يسوع الّذي أتى. لا يصلح للمتكلّم عن خلاص الرب أن يكون بلا خلاص لأنّه لا يعلم بما يتكلّم، لذلك لا يرسل الرب معلّمين لكلمة الخلاص إن لم يكن أعطاهم الخلاص أوّلاً.
آية يقول فيها الرب أن نأخذ الكلمة من فم المعلّمين الّذين اختارهم بنفسه لهذا العمل وهم الّذين فيهم خلاص الرب يسوع. وليس من الّذين يتكلّمون جاعلين أنفسهم معلّمين يتكلّمون بكلمة الرب وهم ليس فيهم خلاص الرب. هؤلاء لم يرسلهم الرب لهذا العمل لكنّهم من أنفسهم يتكلّمون، لذلك كثيراً ما يتكلّمون في حكمة بشريّة وليس من المكتوب فقط في آيات روحيّة سماويّة.
كما قال يوحنّا هكذا يقول المعلّم الّذي أرسله الرب لخدمة الكلمة: "هُوَ سَيُعَمدُكُمْ بِالرُّوح الْقُدُسِ وَنَار". (أفسس 4: 11 – 12 وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ).
لماذا قال الروح القدس ونار ولم يقل الروح القدس والنار؟ لأنّ الروح القدس واحد ولا يُعطى بكيل، أما الدينونة فهي بنار، كل واحدٍ حسب أعماله وليس بالنار الواحدة على الجميع، لأنّها دينونة عادلة. (يوحنّا 3: 34 – 36 لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ. الآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ».) الّذي يؤمن بالابن، أي يعمل ما قاله الابن لأنّه كلمة الله، يعمّده بالروح القدس فيأخذ الخلاص الواحد. أمّا الّذي لا يؤمن بالابن، أي لا يعمل بما قاله الابن كلمة الله، يمكث عليه غضب الله، نار حسب أعماله.
الرب يسوع يستخدم المؤمنين به ليُعَمِدوا بكلمة البرّ للتوبة كما عمّد يوحنا، ليُعِدّوا طريق الرب إلى حياتهم بالتوبة ورفضهم للخطيّة، فيأتي الرب يسوع ليعمدهم بالروح القدس ونار. الروح القُدس للذين قبلوه وأعطوا ثمر، فيسكن فيهم وتصبح الروح ضد شهوات الجسد، والنار للذين آمنوا لكنّهم لم يعتمدوا ولم يصنعوا ثمر روحي، أي الّذين آمنوا بكلمة الرب لكنّهم لم يعملوا بها، وأيضاً للّذين لم يؤمنوا. (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.) (تثنية 30: 19 قد جَعَلْتُ قدُاَّمَكَ الْحَياَة وَالْمَوْت. الْبرَكَة وَاللعَّنة. فاَخْتر الْحَيَاة لِكَيْ تحْياَ أنْتَ وَنَسْلكَ). يتكلّم الرب عن الخلاص والدينونة.
12 الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ».: الرفش هو كلمة الله الروحيّة، كلمة النعمة والعدل الّتي بها يُنقّي بيدره. بيدر الرب هو كل الّذين آمنوا به. فيفصل برفشه أي بكلمة الحقّ، القمح عن التبن. القمح هو المؤمن الّذي اعتمد وأعطى ثمر، والتبن هو المؤمن الّذي في بيدر الرب لكنّه لم يعمل بكلمة الرب فيُحرق بالنار، أي يأتي إلى دينونة أبديّة.
يعمّد بالروح القدس أي يُطهّر المؤمنين به الّذين يعملون بكلمة الله فيجمع قمحه إلى المخزن لذلك لا يأتون إلى دينونة، لأنّ الرب يسوع دفع عنهم ثمن العدل السماوي فعمّدهم بالنعمة. أمّا التبن، أي الّذين آمنوا به لكنّهم لم يعملوا بالكلمة، سيعمّدهم بنار لا تطفأ، أي يعمّدهم بالحقّ السماوي في دينونة العدل الأبدي كل واحدٍ حسب أعماله.
يعمّد بالروح القدس التائبين المعترفين بخطاياهم (عدد 5 - 6) هذا هو عماد النعمة، ويعمّد بالحقّ السماوي نار العدل على الّذين يؤمنون لكن دون أثمار تليق بالتوبة لأنّ قلبهم في العالم وشهواته (عدد 7).
13 حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ.: آية صنعها الرب يسوع بنفسه ليقول لكل من يبحث عنه أن يأتي ويعتمد من خادم الرب دون تكبّر، لذلك جاء الرب يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنّا ليعتمد منه.
يأتي المؤمن بإرادته إلى خادم الرب ولا ينتظر أن يأتي هو إليه. يعتمد المؤمن من الّذي يرسله الرب لهذا العمل ولا يتكبّر معترضاً على مشيئة الآب.
14 وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلاً: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِي إِلَيَّ!»: منع يوحنّا الرب يسوع أن يعتمد منه لأنّه يعلم أنّ كل إنسان يحتاج أن يعتمد من الرب يسوع، حتّى أعظم مولود من النساء حسب شهادة الرب يسوع عن يوحنّا. لا يحتاج الرب يسوع أن يعتمد من إنسان، لأنّ الرب يسوع هو البارّ المخلّص الّذي يعتمد باسمه كل مؤمن يطلب الحياة الأبديّة. إذاً لماذا جاء الرب يسوع ليعتمد من يوحنا؟ وهل يحتاج الرب يسوع الّذي يُعمّد بالروح القدس أن يعتمد بالماء؟ أجاب الرب يسوع وقال لأنّه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل برّ.
15 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحِ الآنَ، لأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ.: الرب يسوع هو القدوة بأعماله وليس فقط بكلامه. الرب يسوع هو الماء الروحي الّذي يطهّر كل تائب عن الخطيّة، لأنّه البارّ بأعماله. لكنّه اعتمد من يوحنّا لأنّه ابن الإنسان الّذي جاء ليعلّم كلمة الله بأفعاله وليس فقط بأقواله لأنّه يفعل ما يقول.
آية صنعها الرب ليقول لكل إنسان يبحث عن الحياة الأبديّة، أن لا دخول إلى الحياة إلاّ بإكمال البرّ، وهذا لا يتم إلاّ بالاعتماد الروحي لأن ليس بارّ بأعماله ليس ولا واحد (رومية 3: 12 الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ) لذلك إكمال البرّ يتم بالإيمان والاعتماد بكلمة الربّ وليس ببرّ الأعمال لأن خطيّة واحدة تكفي للموت الأبدي.
لماذا أكمل الرب يسوع كل بر؟ (رومية 3: 26 لإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارًّا وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ الإِيمَانِ بِيَسُوعَ).
الرب يسوع المسيح ابن الإنسان دفع ثمن خطيّة الإنسان بموته من أجل خلاص كل من يؤمن به، لكنّه قام من الأموات لأنّه أكمل كل برّ، فأقام معه كل مؤمن به وخلّصه من دينونة العدل السماوي. (رومية 3: 24-23 إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ).
حِينَئِذ سَمَحَ لَه: سمح له لأنّه فهم أنّ الرب يسوع يصنع آية روحيّة وليس لأنّه يحتاج أن يعتمد من إنسان. آية يفهم منها المؤمن لماذا يفعل الرب يسوع أمور لا تقبلها حكمة الإنسان عليه لأنّه الربّ القادر على كل شيء، كتجارب إبليس عليه في البريّة أو كيف يعتمد من إنسان وهو الّذي يُعمّد بالروح القدس. الرب يسوع ابن الإنسان أتى ليكمل كل برّ كإنسان أمام الإنسان، ليُعلّم بأفعاله كل مؤمن به، لذلك اعتمد وجُرّب كما يعتمد ويُجرّب كل مؤمن يطلب الحياة الأبديّة.
16 فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ: آية صنعها الرب يسوع، ابن الإنسان في الجسد، ليتكلّم بها عن خلاص المؤمن الّذي يعتمد بالماء، أي بكلمة الله الروحيّة، فيأخذ حياة أبديّة في ملكوت السماوات مع الرب يسوع. يعتمد المؤمن بماء الكلمة فتُفتح له السماوات لحياة أبديّة بروح الله الّذي يسكن فيه. اعتمد الرب يسوع بالماء ليصنع آية الموت والقيامة، لأنّ اعتماد الكلمة هو موت الجسد في شهوات هذا العالم ورفض الخطيّة، وقيامته في الروح بالعمل حسب الكلمة الروحيّة للحياة السماويّة الأبديّة.
(رومية 6: 4 – 14 فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ 5لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. 6عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. 7لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. 8فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. 9عَالِمِينَ أَنَّ الْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ. 10لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا للهِ. 11كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. 12إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، 13وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ. 14فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ.).
وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ: اعتمد الرب يسوع ليصنع آية روحيّة تتكلّم عن موته وقيامته، فانفتحت له السماوات ليُدخل بالفداء الّذي صنعه بموته وقيامته كل من يطلب الحياة حسب كلمة الله في الرب يسوع المسيح، الوحيد الّذي فتح السماوات للمؤمنين باسمه الّذين اعتمدوا بكلمة الله الروحيّة لخلاص نفوسهم.
بعد قيامة الرب يسوع المسيح ابن الإنسان وخروجه من القبر، أي من الموت، انفتحت السماوات له ليُدخل للحياة الأبديّة كل مؤمن بموته وقيامته. لأنّه بموته دفع بالعدل ثمن خطيّة الإنسان الّذي يؤمن به، لأنّ عدل الكلمة هو الموت بسبب الخطيّة. الماء يرمز لكلمة الله، وكلمة الله عدل، إذاً هي لدينونة الخاطي وموته الأبدي، لذلك المعموديّة بالماء هي آية الموت للخاطي، وقيامته بالرب يسوع الّذي يغفر بدمه خطايا المؤمن به ويعمّده بالروح القدس ليقيمه إلى حياة أبديّة. المعموديّة بالماء هي اعتراف المؤمن بخطاياه بالتوبة عنها واعترافه باستحقاق الموت الأبدي لأنّه حقّ، والإيمان بالرب يسوع غافر الخطايا ومعطي الحياة الأبديّة. فيأتي عليه روح الله مثل حمامة بوداعته ومحبّته العظيمة ويمنحه بروحه حياة أبديّة.
17 وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».: الرب يسوع ابن الإنسان هو ابن الله الحبيب الّذي سرّ قلبه بمحبّته العظيمة، لأنّه مات من أجل المحبّة. لأنّه أحبّ ليس الّذين يحبّونه فقط بل أحبّ أعداءه حتّى الموت، فمات بإرادته ليخلّص أعداءه من الموت الأبدي، لأنّ الخاطي هو عدو الله ويستحقّ الموت الأبدي في الروح، والرب يسوع جاء ليموت بدل أعدائه فدفع بموته ثمن الخطيّة عن كل مؤمن يقبله مخلّص لحياته الروحيّة ليقوم معه إلى حياة أبديّة. (رومية 5: 8 وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا.)
صوت الله من السماوات يشهد بخلاص كل مؤمن يعتمد بالكلمة الروحيّة، فيأتي عليه روح الله ليمنحه حياة أبديّة ويصبح من أولاد الله الّذي يُسرّ ببرّ إيمانه، إيمانه بالرب يسوع البارّ بأعماله لأنّه الوحيد الّذي أكمل كل برّ بأعماله، فأعطى المؤمنين به أن يصيروا اولاد الله. (يوحنا 1: 12 - 13 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.)
باسم الآب السماوي، والابن الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود