تفسير إنجيل مَتَّى
الأصحَاحُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ
1وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: 2«تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ».
3حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا، 4وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. 5وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».
6وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، 7تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ. 8فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟ 9لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». 10فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا! 11لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 12فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي. 13اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا».
14حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 15وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. 16وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.
17وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟» 18فَقَالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي». 19فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ.
20وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 21وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي». 22فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَارَبُّ؟» 23فَأَجَابَ وَقَالَ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي! 24إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!». 25فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟» قَالَ لَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ».
26وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». 27وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. 29وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي». 30ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.
31حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ. 32وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ». 33فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا». 34قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». 35قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ.
36حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». 37ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. 38فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». 39ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». 40ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 42فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». 43ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. 45ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 46قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!».
47وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ. 48وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ». 49فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: «السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 50فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوْا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ. 51وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ. 52فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ! 53أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟ 54فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟».
55فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. 56وَأَمَّا هذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ». حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.
57وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ. 58وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِل وَجَلَسَ بَيْنَ الْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ النِّهَايَةَ. 59وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ، 60فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ 61وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ». 62فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟» 63وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» 64قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ». 65فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ! 66مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ». 67حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ 68قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟».
69أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِسًا خَارِجًا فِي الدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيلِيِّ!». 70فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ!» 71ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى الدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: «وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!» 72فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» 73وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ!» 74فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. 75فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.
1 وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ هذِهِ الأَقْوَالَ كُلَّهَا قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: أكمل الرب يسوع أقواله كلّها، لأنّه ابن الإنسان الّذي أكمل عمل البرّ السماوي في العالم، فأكمل أوّل مرحلة من عمله لخلاص الإنسان. أقوال الرب يسوع هي كلمة الله للبرّ الّتي أكملها بأقواله وبأفعاله، لأنّ الرب يسوع لا يتكلّم فقط بل يعمل أمام المؤمن ليفهم ويعمل هو أيضاً مثل سيّده. يعمل المؤمن بأقوال الرب يسوع فلا يزيد عليها حرف ولا يحذف منها حرف لأنّ الرب يسوع أكملها كلّها. بعد هذه الآية يبدأ الرب يسوع مرحلة الذهاب إلى الموت لخلاص الإنسان فيُكمل عمل الخلاص بموته وقيامته. تكلّم الرب يسوع عن مجيء مسحاء وأنبياء كذبة، وعن حروب وضيق على المؤمنين به، وعن خلاص المؤمن الّذي يتبعه عاملاً فقط حسب المكتوب، والمؤمن الّذي يصبر على الضيق ويصنع ثمر الروح. وشبّه الرب يسوع ملكوت السماوات بأمثال جسديّة ليتكلّم بها عن حياة المؤمن الروحيّة في ملكوت السماوات. فشبّه المؤمنين بالعذارى، مؤمن يعمل بالكلمة ويدخل عرس سيّده، ومؤمن لا يعمل بالكلمة فيبقى في ظلمة أبديّة. وأيضاً تكلّم في مثل الوزنات عن المؤمن الّذي يخدم الكلمة بحسب وزناته ويدخل ملكوت الله، والمؤمن الّذي لا يخدم الكلمة يُطرح إلى الظلمة الخارجيّة. وتكلّم عن يوم مجيئه الثاني ليأخذ معه الخراف الّذين استخدموا الجسد للعمل الروحي باسمه، ويدين الجداء بالعدل كل واحدٍ حسب أعماله. أكمل الرب يسوع أقواله كلّها ليبدأ عمل الفداء بموته وقيامته لغفران الخطايا.
2 «تَعْلَمُونَ أَنَّهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ يَكُونُ الْفِصْحُ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ لِيُصْلَبَ».: الفصح قبل مجيء الرب يسوع المسيح هو فصح اليهود لمغفرة الخطايا، دليل إيمان الإنسان بكلمة الله الّذي يقول أنّ المسيح المخلّص سيأتي ليدفع ثمن الخطيّة بموته من أجل الخطاة (يوحنا 11: 55 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ.) تكلّم الرب يسوع مع تلاميذه عن الفصح ليُعلن لهم أنّه هو الفادي الروحي المنتظر حسب النبوّات. ابن الإنسان هو الرب يسوع البارّ كلمة الله في جسد انسان على الأرض، أتى ليُكمل البرّ بأعماله ويدفع ثمن خطيّة الإنسان بموته.
3 حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا: حينئذٍ، في الوقت الّذي كلّم به الرب يسوع تلاميذه عن اقتراب الساعة لصلبه، اجتمع رؤساء الكهنة والكتبة وشيوخ الشعب في دار رئيس الكهنة، ليتشاوروا على قتل ابن الإنسان البارّ. تركوا وصايا الله ليعملوا لشهواتهم في هذا العالم. هؤلاء هم رؤساء كهنة الله وشيوخ الشعب الّذين من المفترض أن يكونوا قدوة لشعبهم بالعمل حسب وصايا الله. أتوا إلى دار رئيس الكهنة الّذي يُدعى قيافا، رئيس كهنة الله يقتل ابن الله. آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع للمؤمن به أن يتبع الكلمة في المكتوب وليس في المعلّمين، فيفتّش الكتب ليفحص التعليم فيعمل فقط حسب المكتوب. لأنّ هذه الآية تقول أنّ رئيس الكهنة يمكن له أن يعمل ضد كلمة الله. (متى 15: 13 فَأَجَابَ وَقَالَ: «كُلُّ غَرْسٍ لَمْ يَغْرِسْهُ أَبِي السَّمَاوِيُّ يُقْلَعُ. 14اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ. وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ».) آية يتعلّم منها المؤمن الروحي ألاّ ينظر إلى منصب الخادم الروحي بين الناس، لأنّ الّذين قتلوا الرب يسوع هم رؤساء كهنة وكتبة وشيوخ الشعب وعلى رأسهم رئيس الكهنة. يتبع المؤمن سيّده فقط حسب كلمة سيّده. (يوحنّا 5: 39 فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي.).
4 وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ.: تشاوروا لكي يمسكوه بمكر لأنّه بارّ، لذلك يحتاجون للمكر بشهادة زور ليحكموا عليه بالعدل المزيّف. المؤمن الصالح الّذي اعتمد بكلمة الله الروحيّة لا يُبطل وصيّة الله، فلا يقتل بمكر ظاناً أنّه يبرّر نفسه أمام الله.
5 وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».: يخافون من الشعب ولا يخافون من دينونة الله الأبديّة. لأنّهم من هذا العالم يعيشون لحياتهم الجسديّة ولا يهتمّون بحياتهم الروحيّة الأبديّة. مراؤون يظهرون أمام الشعب بثياب الإيمان لكنّهم من داخل يرفضون كلمة الله، لذلك ليس لمثل هؤلاء علاقة روحيّة بالله حتّى وإن كانوا رؤساء كهنة أمام الشعب.
6 وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ: وفيما كان الرب يسوع يعمل في العالم يُعلّم الإنسان المحبّة السماويّة والتواضع الروحي، جاء إلى بيت سمعان الأبرص في قرية اسمها بيت عنيا. الرب يسوع البارّ متّكئ في بيت سمعان الأبرص لأنّه الطبيب الروحي لشفاء الأمراض الروحيّة. الأبرص في الروح هو الإنسان الخاطي يحتاج إلى الرب يسوع ليطهّره من برصه الروحي بسبب الخطيّة.
7 تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيب كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ.: محبّة الرب يسوع لا تقارن بثمن. لذلك هذه الامرأة أحبّت دون أن تنظر إلى ثمن الطيب. لا ينظر الرب يسوع إلى قيمة العمل الجسدي أو إلى الثمن المادّي، لأنّه ينظر إلى المحبّة الّتي يُظهرها الإنسان بأعماله حسب كل قدرته، فيصنع ثمر الروح. (متى 13: 8 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ.).
8 فَلَمَّا رَأَى تَلاَمِيذُهُ ذلِكَ اغْتَاظُوا قَائِلِينَ: «لِمَاذَا هذَا الإِتْلاَفُ؟: نظر التلاميذ إلى الإتلاف المادّي ولم ينظروا إلى محبّة المرأة للرب يسوع. لا إتلاف في المحبّة لأنّ المحبّة أعظم من أي مادّة مهما كثر ثمنها.
9 لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هذَا الطِّيبُ بِكَثِيرٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ».: محبة الفقراء بالعطاء باسم الرب يسوع هي أيضاً محبّة للرب يسوع. لذلك ما قاله التلاميذ هو نوع من أنواع المحبّة الروحيّة. لكن محبّة هذه المرأة هي محبّة روحيّة للرب يسوع لا تنظر فيها إلى القيمة المادّيّة الّتي تقدّمها له. آية روحيّة لعمل المحبّة مع الرب يسوع، يمكن أن يكون باستخدام المادّة، ويمكن أن يكون أيضاً بعدم الاهتمام بالمادّة مهما كثر ثمنها.
10 فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُزْعِجُونَ الْمَرْأَةَ؟ فَإِنَّهَا قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَنًا!: أحبّ الرب يسوع عمل المرأة لأنّها أظهرت محبّتها الحقيقيّة للرب يسوع، ليس بالكلام فقط إنّما بالفعل دون أن تنظر إلى ما هو كثير الثمن. لأنّ المحبّة الحقيقيّة لا تقدّر بثمن. لا ينظر الرب يسوع إلى المادّة كثيرة الثمن لأنّه ينظر إلى عمل المؤمن الّذي يدلّ على محبّته الحقيقيّة للرب يسوع، الّذي من أجل المحبّة مات ليخلّص الخاطي من الموت الأبدي، محبّة لا تقارن بثمن.
11 لأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ.: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية الروحيّة عن وجوده المؤقّت في الجسد مع المؤمن به، لأنّه في الروح القدس لا يترك المؤمن به إلى الأبد. (متى 28: 20 وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِين.). الفقراء مع المؤمنين على الأرض في كل حين لكن الرب يسوع في الجسد لا يوجد مع المؤمن في كل حين. كيف يظهر الرب يسوع أحياناً في الجسد أمام المؤمن به؟ يظهر الرب يسوع في الجسد أمام المؤمن به بأعمال يراها المؤمن بعين الجسد كالعجائب، أو حين يستجيب الرب لطلبة المؤمن الجسديّة، ليس بهدف الاستجابة للأمور الجسديّة إنّما فقط ليُظهر نفسه بما تراه عين الإنسان، لذلك يقول الرب أنّه ليس مع المؤمن كل حين بما تراه العين. لماذا هو معنا بالروح في كل حين لكن ليس معنا بالعيان في كل حين؟ لأنّ الحياة مع الرب يسوع روحيّة وليست جسديّة، لذلك هي في الإيمان الروحي وليس في العيان الجسدي. يُظهر الرب يسوع ذاته في بعض الأوقات للمؤمنين به أو للباحثين عن الحقّ السماوي، فقط ليعلن لهم عن حضوره، لكنّه لا يبقى ظاهراً معهم بما تراه العين لأنّه يريد من الإنسان أن يؤمن به في حياة روحيّة.
12 فَإِنَّهَا إِذْ سَكَبَتْ هذَا الطِّيبَ عَلَى جَسَدِي إِنَّمَا فَعَلَتْ ذلِكَ لأَجْلِ تَكْفِينِي.: التكفين في الحياة الجسديّة هو عمل يدلّ على المحبّة للإنسان الّذي يموت، فيوضع في قبره ملفوفاً بالكتّان الممزوج برائحة الطيب (يوحنا 19: 40 فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا.). ما هو الطيب في حياة الإنسان الروحيّة وكيف يسكبه على رأس وجسد الرب يسوع وكيف يكون هذا لأجل تكفينه؟ الطيب الجيد كثير الثمن هو المحبّة الحقيقيّة التي لا تقارن بثمن، لأنّ التي سكبت الطيب فعلت ذلك بمحبّة حقيقيّة ولم تنظر إلى الخسارة الماديّة. المحبّة الحقيقيّة لا تقارن بثمن لأنّ الرب يسوع مات من أجل المحبّة. الطيب الّذي يسكبه المؤمن الروحي لتكفين جسد الرب يسوع البارّ في حياة روحيّة، هو في إظهار المحبّة بأعمال يشكر فيها الرب يسوع الّذي مات من أجله.
13 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا».: يُكرم الرب يسوع هذه المرأة ويجعل منها آية روحيّة لكل مؤمن يتبعه. ليس بسبب المادّة كثيرة الثمن لأنه لا قيمة للمادّة عند الرب يسوع، إنّما لثمر الروح الّذي يصنعه المؤمن باستخدام ما هو كثير الثمن عند الإنسان، دليل محبّة للرب يسوع دون النظر إلى الخسارة الماديّة. (مرقس 12: 41 وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ الْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي الْجَمْعُ نُحَاسًا فِي الْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيرًا. 42فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبْعٌ. 43فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذِهِ الأَرْمَلَةَ الْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ أَلْقَوْا فِي الْخِزَانَةِ، 44لأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا».). (متى 22: 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى وَالْعُظْمَى.). محبّة بالعمل وليس فقط بالكلام.
14 حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ: يهوذا الإسخريوطي واحد من تلاميذ المسيح، لكنّه مرائي يتبع الرب يسوع ويُظهر المحبّة لكن في قلبه أهداف أخرى غير الّتي يُظهرها امام الناس. هو آية روحيّة لكل مؤمن وكل خادم غير أمين في إيمانه أو في خدمته لكلمة الله. (متى 7: 21 «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.). لا ينظر الرب يسوع إلى ظاهر الإنسان لأنّه ينظر إلى قلبه، إلى هدف المؤمن من الخدمة. ذهب يهوذا الإسخريوطي إلى رؤساء الكهنة، الكرّامون الّذين قتلوا الأنبياء. (متى 21: 35 فَأَخَذَ الْكَرَّامُونَ عَبِيدَهُ وَجَلَدُوا بَعْضًا وَقَتَلُوا بَعْضًا وَرَجَمُوا بَعْضًا.) والآن يتشاورون لقتل الابن (متى 21: 38 وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ!).
15 وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ.: باع يهوذا الإسخريوطي حياته الأبديّة بثلاثين من الفضّة. سلّم الرب يسوع الّذي يمنحه حياة روحيّة أبديّة ليربح ثلاثين من الفضّة في عالم يزول بموت الجسد. آية روحيّة لكل مؤمن ليتعلّم الحكمة الروحيّة وليس الأرضيّة، فلا ينظر بعين الجسد إلى شهوات العالم الّذي يزول، بل بالإيمان ينظر بعين الروح إلى الحياة الأبديّة.
16 وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.: ومن ذلك الوقت كان مع الرب يسوع في لباس الحمل الوديع لكنّه في داخله ذئب خاطف ينتظر فرصة ليسلّمه. يهوذا الإسخريوطي هو كل مؤمن مرائي يُظهر الإيمان والمحبّة للرب يسوع لكن ليس بهدف الخلاص والحياة الأبديّة معه، إنّما لشهوات العالم والحياة الجسديّة. هذا هو المؤمن الّذي لا يعتمد بالروح، فلا يعمل في حياة روحيّة مع الرب يسوع لأنّه يبحث عن مكاسب جسديّة تزول. هذا هو المؤمن المرائي الّذي يخدم باسم الرب لمجد نفسه وليس لمجد الرب المخلّص.
17 وَفِي أَوَّلِ أَيَّامِ الْفَطِيرِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ لَهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نُعِدَّ لَكَ لِتَأْكُلَ الْفِصْحَ؟»: الفصح هو عيد لليهود ليُطهِّروا أنفسهم من خطاياهم (يوحنا 11: 55 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا. فَصَعِدَ كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ.) يطهّروا أنفسهم بذبيحة الفصح لغفران الخطايا (الخروج 12: 21 فَدَعَا مُوسَى جَمِيعَ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ لَهُمُ: «اسْحَبُوا وَخُذُوا لَكُمْ غَنَمًا بِحَسَبِ عَشَائِرِكُمْ وَاذْبَحُوا الْفِصْحَ.) (العدد 9: 13 لكِنْ مَنْ كَانَ طَاهِرًا وَلَيْسَ فِي سَفَرٍ، وَتَرَكَ عَمَلَ الْفِصْحِ، تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا، لأَنَّهَا لَمْ تُقَرِّبْ قُرْبَانَ الرَّبِّ فِي وَقْتِهِ. ذلِكَ الإِنْسَانُ يَحْمِلُ خَطِيَّتَهُ.) من يترك عمل الفصح لا تُغفر خطيّته. (لوقا 22: 7 وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ.) دم الحيوان لا يطهّر الإنسان من نجاسة الخطيّة، لذلك الفصح عند اليهود هو فريضة إيمان، يعمل بها المؤمن فريضة جسديّة ترمز لإيمانه الروحي بالذبيحة الحقيقيّة قبل مجيئه. جاء الرب يسوع المسيح ليصنع الفصح الروحي بموته من أجل المؤمنين به لغفران الخطايا. فلا يعمل المؤمن به بفرائض جسديّة لأنّه بعد مجيء المسيح يعمل حسب كلمة الله في حياة روحيّة. (1كورنثوس 5: 7 إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا كَمَا أَنْتُمْ فَطِيرٌ. لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا.).
لماذا أكل الرب يسوع الفصح؟ هل لأنّه يحتاج أن يذبح الفصح؟ لا يحتاج الرب يسوع أن يذبح الفصح لأنّه بارّ بأعماله ولا يحتاج إلى تطهير. الرب يسوع هو ذبيحة الفصح الروحيّة لغفران الخطايا، لذلك جاء ليصنع الفصح الروحي من أجل الخطاة وليس من أجل نفسه. الفصح قبل مجيء المسيح هو رمز يدل على الإيمان بالمسيح البارّ الّذي يأتي ويموت ليدفع بدمه ثمن الخطيّة، لكنّه يقوم ليُقيم معه كل من يؤمن به. (يوحنا 14: 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي.).
18 فَقَالَ: «اذْهَبُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَى فُلاَنٍ وَقُولُوا لَهُ: الْمُعَلِّمُ يَقُولُ: إِنَّ وَقْتِي قَرِيبٌ. عِنْدَكَ أَصْنَعُ الْفِصْحَ مَعَ تَلاَمِيذِي».: قال التلاميذ في عدد 17 للرب يسوع: "أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح" لكنّ الرب يسوع يقول: " عندك أصنع الفصح مع تلاميذي" الرب يسوع لا يأكل الفصح لأنّه يصنع الفصح ليأكله المؤمن به. لم يُعلن الرب يسوع عن اسم المدينة أو اسم صاحب البيت في الكتاب لعدم الأهميّة الروحيّة، لأنّ الفصح الروحي لا يتعلّق بمكان أو زمان أو إنسان، لأنّه لحياة المؤمن الأبديّة مع الرب يسوع في الروح كل حين. يقول الرب يسوع أنّه سيصنع الفصح لأنّ وقته قريب، أي لأنّ ساعته قد اقتربت ليموت من أجل الخطاة، ليدفع بدمه ثمن الخطيّة ويفدي كل من يؤمن به ويعتمد حسب كلمة الله السماويّة. هذا هو فصح التطهير من نجاسة الخطيّة للمؤمنين بالروح بعد مجيء الرب يسوع.
19 فَفَعَلَ التَّلاَمِيذُ كَمَا أَمَرَهُمْ يَسُوعُ وَأَعَدُّوا الْفِصْحَ.: أعدّوا الفصح كما أمرهم الرب يسوع وليس كما هي عادة اليهود أن يفعلوا. لأنّهم "أعدّوا الفصح" وليس "ذبحوا الفصح" (لوقا 22: 7 وَجَاءَ يَوْمُ الْفَطِيرِ الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُذْبَحَ فِيهِ الْفِصْحُ.) يقول الرب: "كان ينبغي أن يُذبح" وليس "ينبغي أن يُذبح" لأنّ الرب يسوع لم يأمر بذبح الفصح الّذي كان ينبغي أن يُذبح كفريضة يعمل بها المؤمن قبل مجيء المسيح المخلّص الروحي. بل فعلوا كما أمرهم وأعدّوا الفصح ليصنع آية روحيّة يعمل بها المؤمن الروحي. الفصح الروحي ليأكل المؤمن في الروح جسد الرب يسوع البارّ للتبرير، ويشرب بالروح دم الرب يسوع لغفران الخطايا. (الخروج 12: 43 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: «هذِهِ فَرِيضَةُ الْفِصْحِ: كُلُّ ابْنِ غَرِيبٍ لاَ يَأْكُلُ مِنْهُ. 44وَلكِنْ كُلُّ عَبْدِ رَجُلٍ مُبْتَاعٍ بِفِضَّةٍ تَخْتِنُهُ ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْهُ. 45النَّزِيلُ وَالأَجِيرُ لاَ يَأْكُلاَنِ مِنْهُ. 46فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ يُؤْكَلُ. لاَ تُخْرِجْ مِنَ اللَّحْمِ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى خَارِجٍ، وَعَظْمًا لاَ تَكْسِرُوا مِنْهُ. 47كُلُّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ يَصْنَعُونَهُ.) لا يُكسر منه عظم لأنّها نبوّة تتكلّم عن الّذبيحة الروحيّة، الرب يسوع الفادي. (يوحنا 19: 36 لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ».) أعد التلاميذ الفصح كما أمرهم الرب يسوع وليس كما يُذبح الفصح عند اليهود. آية للّذين يتبعون الرب يسوع في الروح ليعملوا فقط حسب كلمة الله في الآيات الروحيّة في المكتوب، فلا يعملوا في فرائض جسديّة أو في عادات وتقاليد الشيوخ، الّذين لم يفهموا الآية الروحيّة من الفصح الّذي صنعه الرب يسوع بكلمات جسديّة، لأنّهم لم يقبلوا الترجمة الروحيّة للآية السماويّة ليعملوا بالمكتوب في حياة روحيّة.
20 وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ اتَّكَأَ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ.: المساء هو غروب الشمس لينتهي النهار وتبدأ ظلمة الليل. آية روحيّة للمساء الروحي بنهاية عمل الرب يسوع في الجسد وإكماله للبرّ في النور، لتبرير كل من يؤمن به. (يوحنا 9: 4 يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. 5مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ».). بعد التبرير في النور يدخل الرب يسوع إلى ظلمة الموت لينتصر عليه بقيامته، فيُشرق كوكب الصبح المنير في حياة كل إنسان يؤمن بالروح بموت ابن الإنسان وقيامته. لذلك تكلّم الرب يسوع في هذا المساء عن الّذي يسلّمه للألم وظلمة الموت.
21 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ قَالَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي».: يبدأ فصح الرب يسوع الروحي بآية يتكلّم فيها عن موته لفداء الإنسان. وأنّ الّذي يسلّمه هو واحد من المؤمنين الّذين يتبعونه ويخدمون معه، مرائي يأكل على مائدة الرب يسوع لكنّه ينتظر فرصة ليسلّمه للموت. ليس كل من يُظهر الإيمان ويخدم الرب يسوع ويأكل على مائدته يدخل ملكوت الله، لأنّ الرب يسوع ينظر إلى قلب الإنسان، إلى هدف المؤمن من الخدمة. (متى 7: 21 «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.).
22 فَحَزِنُوا جِدًّا، وَابْتَدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَارَبُّ؟»: حزنوا جداً لأنّ ثقتهم بكلمة الرب يسوع تزيد عن ثقتهم بأنفسهم، لذلك ابتدأ كل واحد منهم يسأله عن نفسه إن كان هو يسلّمه. أمّا يهوذا فلم يسأل لأنّه يثق بكلمة الرب أكثر من نفسه، إنّما لأنّه يعرف أنّه هو الّذي يُسلّمه، فيسأل ليُظهر نفسه كباقي التلاميذ لأنّه مُرائي، وأيضاً يسأل ليعرف إن كان الرب يسوع يعرف الشرّ الّذي في قلبه. آية روحيّة لكل مؤمن يتبع الرب يسوع ليسأل عن نفسه في علاقته بالرب يسوع، ولا ينظر إلى غيره ليدينه في علاقته بالرب يسوع.
23 فَأَجَابَ وَقَالَ: «الَّذِي يَغْمِسُ يَدَهُ مَعِي فِي الصَّحْفَةِ هُوَ يُسَلِّمُنِي!: يتكلّم الرب يسوع عن يهوذا الإسخريوطي الّذي يغمس يده في صحن المرّ الّذي يأكله الرب يسوع ليصنع الفصح الروحي، فيسلّمه للموت بسبب شهواته في العالم. آية روحيّة يتكلّم فيها الرب يسوع مع كل مؤمن مرائي غير أمين في علاقته بالرب يسوع، الّذي يغمس يده في صحن عذاب الرب وموت. (متى 23: 25 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً(. الكأس والصحفة هما الإنسان، لذلك الرب يسوع هو ابن الإنسان صحفة البرّ وكأس الدّم لخلاص الإنسان وغفران الخطايا.
24 إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ابْنُ الإِنْسَانِ. كَانَ خَيْرًا لِذلِكَ الرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!».: إنّ ابن الإنسان، الرب يسوع المسيح في الجسد، ماضٍ إلى الموت ليدفع ثمن الخطيّة كما هو مكتوب عنه في النبوّات. هذا هو صحن الألم الّذي يأكله الرب يسوع وكأس الموت الّذي يشربه بإرادته. لكن ويل لذلك الإنسان الّذي يغمس يده في الشرّ الّذي يأتي على الرب يسوع. لأنّه يسمح للشيطان أن يستخدمه ليسلّم ابن الإنسان البارّ للموت. (يوحنّا 13: 27 فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ».) شيطان الخطيّة هو الّذي يسلّم الرب يسوع البارّ للموت باستخدامه للإنسان الخاطي، الّذي يخدم إبليس لفعل الشرّ. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد لشدّة النّدم والألم في الدينونة الأبديّة، الألم بسبب الدينونة حسب أعماله، والنّدم ليزيده ألم على ضياعه لفرصة الخلاص من أجل شهواته في العالم الّذي يزول.
25 فَأَجَابَ يَهُوذَا مُسَلِّمُهُ وَقَالَ: «هَلْ أَنَا هُوَ يَا سَيِّدِي؟» قَالَ لَهُ: «أَنْتَ قُلْتَ».: يهوذا الإسخريوطي يسأل الرب يسوع ويقول أنّه سيّده، لكنّه ينتظر فرصة ليسلّمه. مرائي يلبس ثوب الحمل وهو من داخل ذئب خاطف. (متى 7: 15 «اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!). يهوذا هو كل مؤمن مُرائي يُظهر المحبّة للرب يسوع لكنّه من داخله لا يؤمن به المخلّص الروحي لحياته الأبديّة، لأنّه يعمل حسب أفكاره الأرضيّة مسلّماً الرب يسوع للموت في قلبه، ليعمل هو في ظلمة الروح مع شهواته في العالم الّذي يزول. (يوحنّا 3: 19 وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.). أجابه الرب يسوع "أنت قلت" ليقول أنّها إرادة يهوذا لفعل الشرّ وليس إرادة الرب ليفعل يهوذا هذا الشرّ.
26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي».: لم يذبح الرب يسوع الفصح كما هي عادة اليهود، ذبيحة حيوانيّة فريضة للتطهير، لأنّ الرب يسوع هو الذبيحة الحقيقيّة، ذبيحة الفصح الروحي بموت البارّ لتطهير الإنسان الخاطي في الروح من نجاسة الخطيّة. يصنع الرب يسوع في هذا الفصح الروحي آية روحيّة يُقدّم فيها جسده البارّ، خبزا روحيّاً يأكله المؤمن فيحيا في الروح البارّ مع الله القدّوس. جسد الرب يسوع هو البرّ الّذي صنعه ابن الإنسان في الجسد على الأرض، الوحيد الّذي لم يفعل خطيّة. يأكل المؤمن جسد الرب يسوع البارّ بالعمل كل حين حسب كلمة الرب يسوع الروحيّة للحياة الأبديّة. بارك وكسّر وأعطى التلاميذ لأنّ الرب يسوع هو الذي يبارك وهو الّذي يُكسّر الخبز الروحي ويُعطي بنفسه حاجة كل مؤمن يطلب الحياة الأبديّة. الخبز للإنسان في الجسد هو حاجة يوميّة لحياته وليس فريضة يعمل بها، هكذا هو الخبز الروحي حاجة يوميّة لحياته الروحيّة.
27 وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ: يقول الرب أخذ الكأس وليس أخذ كأساً، لأنّ الرب يسوع هو كأس الدم الوحيد الذي يغفر بالحقّ خطايا كل إنسان يطلب الحياة الأبديّة معه. دم الرب يسوع البارّ هو ثمن خطيّة الإنسان، لفداء الخاطي الّذي يتوب من دينونة الموت الأبدي. يشربه المؤمن بالعمل حسب كلمة الله في المكتوب دليل المحبّة الحقيقيّة من القلب والروح للرب يسوع الفادي. (متى 10: 37 مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، 38وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. 39مَنْ وَجَدَ حَيَاتَهُ يُضِيعُهَا، وَمَنْ أَضَاعَ حَيَاتَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا.). بهذه المحبّة الروحيّة يشرب المؤمن من كأس الدم الطاهر الّذي قدّمه الرب يسوع لتطهيره من نجاسة الخطيّة.
وشكر وأعطاهم: الرب يسوع المسيح ابن الإنسان، يشكر الآب السماوي على محبّته العظيمة للإنسان، لأنّه أرسل كلمته لخلاص الإنسان بالحقّ والنعمة. محبة الرب يسوع للإنسان تجعله يشكر على ألمه وعلى موته من أجل خلاص الإنسان.
اشربوا منها كلّكم: يطلب الرب يسوع من الجميع أن يشربوا من الكأس ولم يستبعد تلميذه الخائن، لأنّها آية يقول فيها الرب يسوع أنّه جاء لخلاص كل إنسان. يهوذا واحد من الناس الخطاة، والرب يسوع يريد الخلاص لجميع الخطاة، لكنّ المؤمن الّذي لا يخلص، لأنّه لم يشرب، هو الّذي يختار لنفسه الدينونة، لأنّ الرب يسوع طلب من الجميع أن يشربوا. (1تيموثاوس 2: 4 الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ.) الّذي لا يأكل بالروح جسد الرب يسوع ولا يشرب بالروح من كأس دمه لا يستطيع أن يخلص لأنّ الّذي يؤمن بالروح بكلمة الله هو الّذي يعمل بها. (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.).
28 لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.: يشرب المؤمن في الروح دم الرب يسوع البارّ ليدخل معه بالروح إلى ملكوت السماوات. هذا هو العهد الروحي الجديد لأنّه بالأعمال الروحيّة بعد مجيء المسيح، بعد موته وقيامته، وليس بالفرائض الجسديّة كما كان في العهد القديم قبل مجيء المسيح. (كولوسي 2: 16 فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ، 17الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ.). العهد الجديد روحي بدم المسيح، ليحيا المؤمن في حياة أبديّة روحيّة مع المسيح قبل موت الجسد على الأرض وبعد موت الجسد في السماء. دم الرب يسوع البارّ هو ثمن خطيّة الإنسان الّذي يشرب منه في الروح، أي الّذي يتوب عن الخطيّة ويؤمن بموت الرب يسوع وقيامته لغفران الخطايا. (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.). (رومية 3: 20 لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ. 21وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بِدُونِ النَّامُوسِ، مَشْهُودًا لَهُ مِنَ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ، 22بِرُّ اللهِ بِالإِيمَانِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ. 23إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ، 24مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، 25الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ). العهد القديم لغفران الخطايا بالعمل في فرائض جسديّة دليل الإيمان بالمسيح المخلّص الّذي سيأتي لخلاص الروح، والعهد الجديد بأعمال روحيّة مع الرب يسوع الّذي جاء ومات وقام.
29 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي».: نتاج الكرمة هو نتاج عمل الرب يسوع، لأنّ الرب يسوع هو الكرمة الحقيقيّة ونتاج عمله هو الخلاص الروحي للإنسان. (يوحنا 15: 1 أَنَا الْكَرْمَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَأَبِي الْكَرَّامُ.). لا يشرب الرب يسوع من نتاج عمله إلاّ بعد انتصاره على الموت بقيامته من بين الأموات. حينما يشربه جديداً في ذلك اليوم الروحي مع المؤمنين به بالروح في ملكوت الله. يقول الرب يسوع في ملكوت أبي لأنّ المؤمن لا يستطيع أن يأتي إلى الآب إلاّ بإيمانه بالرب يسوع ابن الله، لأنّه كلمة الله الوحيد في جسد إنسان في العالم. يشربه جديداً في حياة روحيّة مع المؤمنين به في الروح في ملكوت الآب السماوي وليس في فرائض وأمثال أرضيّة في حياة جسديّة في العالم. علّم الرب يسوع مستخدماً أمثال جسديّة يفهمها الإنسان الجسدي فيؤمن بكلمة الله ليعمل بها آيات روحيّة للحياة الأبديّة. بعد قيامة الرب يسوع من بين الأموات يشربه جديداً في ملكوت الآب الروحي مع المؤمنين الّذين يدخلون ملكوت الله بالولادة من الروح.
30 ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.: بعد الفصح سبّحوا الله على محبّته العظيمة للإنسان، لأنّه بذل ابنه الوحيد لخلاص الخطاة بالحقّ والنعمة. وخرجوا إلى جبل الزيتون. آية روحيّة لحياة المؤمن بعد الفصح الروحي في برّيّة العالم. المؤمن الروحي الّذي يأكل بالروح جسد الرب يسوع البارّ، الخبز الروحي لحياة المؤمن الروحيّة، ويشرب دمه لتطهير الروح من الخطيّة، لا يعود إلى حياته في العالم، لأنّه يخرج إلى جبل الرب في حياة روحيّة معه بعيداً عن شهوات العالم الجسديّة. (إشعياء 2: 3 وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ».).
31 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.: يشكّون في الرب يسوع لأنّهم ظنّوا أنّه ضعيف. كيف يمكن للرب يسوع ابن الله أن يقف ضعيفاً أمام الإنسان الخاطي فيسلّمه للألم والموت. هكذا يظهر أمامهم في ضعف الإنسان لا بقوّة الإله. هكذا يشك بالرب يسوع كل إنسان ينظر إليه بحكمة هذا العالم، فلا يفهم أنّ الرب يسوع بموته يصنع آية روحيّة لفداء الخاطي بالروح. هكذا تظهر قوّة الرب يسوع أنّها عظيمة، لأنّه وضع نفسه حتّى الموت ليفدي الإنسان الخاطي، لأنّ أجرة الخطيّة هي موت. (فيلبي 2: 6 الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. 7لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.) هذه هي قوّة المحبّة غير المحدودة في الرب يسوع للإنسان. (زكريّا 13: 6 فَيَقُولُ لَهُ: مَا هذِهِ الْجُرُوحُ فِي يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هِيَ الَّتِي جُرِحْتُ بِهَا فِي بَيْتِ أَحِبَّائِي. 7«اِسْتَيْقِظْ يَا سَيْفُ عَلَى رَاعِيَّ، وَعَلَى رَجُلِ رِفْقَتِي، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. اِضْرِبِ الرَّاعِيَ فَتَتَشَتَّتَ الْغَنَمُ، وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى الصِّغَارِ.) نبوّة تتكلّم عن الرب يسوع، الراعي الروحي الّذي يقبل بإرادته أن يُسلَّم للألم والموت من أجل رعيّته، فتتشتت خراف الرعيّة لأنّهم يشكّون في قوّة ابن الله.
32 وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ».: يسبقهم الرب يسوع إلى الجليل بعد قيامته ليجمع خرافه من جديد، لأنّ موت الرب يسوع يشتت الخراف وقيامته تجمعهم لحياة أبديّة. من لا يؤمن بموت الرب يسوع وقيامته لا يأتي إلى الجليل، فلا يأخذ حياة أبديّة. آية روحيّة لكل مؤمن يشك بالرب يسوع عند التجربة والضيق فينكره في قلبه وأمام الناس. لكنّه إن آمن بكلمة الرب يسوع وبأعماله أنّها روحيّة، يقوم الرب يسوع من الموت في قلبه ليبقى معه في حياة روحيّة أبديّة. ذهاب المؤمن في الروح إلى الجليل هو الإيمان بقيامة الرب يسوع من الأموات.
33 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا».: يتكلّم بطرس عن ثقته بنفسه أكثر من ثقته بكلمة الرب الّذي قال: "كلّكم تشكّون فيّ في هذه الليلة". آية روحيّة عن المؤمن قبل ولادته من الروح، كيف يعتمد على قوّته في حكمة أرضيّة فيضعف عند التجربة. لكن بعد ولادته من الروح لا يسقط أبداً لأنّه يُنكر نفسه ليعمل بقوّة الروح القدس الّذي يسكن فيه.
34 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ».: تكلّم الرب يسوع بالحقّ السماوي مع بطرس ليتكلّم في آية روحيّة مع كل مؤمن قبل ولادته الروحيّة من الله. تُظهر التجربة حقيقة ضعف الإنسان قبل ولادته من الروح، لأنّه يتّكل على قوّته في حياته الروحيّة وليس على قوّة الرب يسوع الّذي أكمل البرّ. ينكر الرب يسوع ثلاث مرّات قبل صياح الديك، أي ينكره بكل إرادته قبل ولادته من الروح. صياح الديك هو بداية ظهور النور. (مرقس 13: 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا.). يسقط المؤمن عند التجربة الّتي تُظهر حقيقة ضعفه، لكنّه بعد صياح الديك يشرق عليه كوكب الصبح المنير فلا ينكر إلى الأبد لأنّ روح الله يسكن فيه. يقول الرب يسوع لبطرس أنّه يُنكره هذه الليلة قبل أن يصيح الديك عند الصباح. ينكره في ظلمة الليل حتّى الصباح. آية روحيّة تقول أنّ المؤمن ينكر الرب يسوع عند التجربة قبل الخلاص لأنّه في ظلمة الروح، إلى صياح الديك في الروح، أي إلى الخلاص الروحي بنور المسيح. الرب يسوع هو نور الحياة، كوكب الصبح الّذي ينير ظلمة الروح ويمنح حياة أبديّة. لماذا يقول الرب في مرقس 14: 30 قبل أن يصيح الديك مرّتين؟ مرّة عندما يشرق في الإنسان نور الإيمان فيبصر الخلاص بالرب يسوع، ومرّة عندما يعتمد هذا الإيمان فيأخذ خلاصه بالولادة من الروح فلا ينكر أبداً. (متى 4: 16 الشَّعْبُ الْجَالِسُ فِي ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا، وَالْجَالِسُونَ فِي كُورَةِ الْمَوْتِ وَظِلاَلِهِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ».).
35 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!» هكَذَا قَالَ أَيْضًا جَمِيعُ التَّلاَمِيذِ.: لم يقبل بطرس والتلاميذ كلمة الرب فاحص الكلى والقلوب وأصرّوا على أنّهم لا ينكرون. يقولون هذا من محبّتهم الكبيرة للرب يسوع. لكنّهم عند التجربة يسقطون، لأنّ التجربة تُظهر حقيقة ضعف المؤمن الّذي يتّكل على قوّته كما فعل التلاميذ، فيسقط عند التجربة حتى وإن كانت محبّته للرب كبيرة. لكن بعد الخلاص الروحي لا ينكر أبداً لأنّ القوّة الحقيقيّة هي روحيّة تأتي من الله الّذي يسكن فيه. لا يصنع الله التجربة لكنّه يسمح بها، لأنّ التجربة تكشف للمؤمن قوّة إيمانه بالفعل وليس فقط في القلب أو بالكلام. (يعقوب 1: 12 طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ. 13لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا.).
36 حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ».: جاء الرب يسوع مع تلاميذه إلى الضيعة التي يُسلَّم فيها للموت، لأنّه يعمل مشيئة الآب ويذهب بنفسه إلى الألم والموت. قال لتلاميذه أن يجلسوا ههنا ليمضي ويُصلّي هناك، أي ليصلّي على انفراد. (متى 6: 6 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ.) يُصلّي الرب يسوع على انفراد بينه وبين الآب السماوي لأنّه يعمل بالكلمة التي علّمها للمؤمنين به.
37 ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي، وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ.: أخذ معه ثلاثة من تلاميذه ليصنع بهم آية روحيّة تُظهر ضعف المؤمن الجسدي. لأنّ المؤمن الجسدي ضعيف ينعس وينام في الروح، وأمّا المؤمن الروحي فنشيط لا ينعس ولا ينام في الروح. أخذ معه ثلاثة من تلاميذه ليصنع بهم آية روحيّة لجميع المؤمنين، لأنّ الرب يسوع يستخدم العدد ثلاثة لتثبيت الفعل، ثلاثة يفعلون ذات الفعل ليقول أنّ الجميع هكذا يفعلون. ابتدأ الرب يسوع يحزن ويكتئب لشدّة ألم الموت الروحي الّذي يذهب إليه دون ذنب، لأنّ موت الرب يسوع في الجسد هو آية روحيّة عن موته في الروح ليفدي المؤمن بالروح. لكنّه مع هذا الحزن العظيم لا يتراجع عن عمل الخلاص لأنّه يفعل مشيئة الآب لخلاص الإنسان.
38 فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي».: يحزن الرب يسوع جداً حتى الموت لأنّه في هذه الليلة تُسلّم نفسه للموت. لا يحزن الرب يسوع لموت الجسد لأنّ الجسد لا يفيد شيء. (يوحنّا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ.). (رومية 8: 8 فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ.) الروح هو الّذي يُرضي الله وهو الّذي يُحيي الإنسان، أمّا الجسد فلا يفيد شيء لحياة الإنسان السماويّة، لذلك موت الرب يسوع في الجسد هو آية روحيّة لموته في الروح لفداء الخاطي في الروح، لذلك يحزن الرب يسوع ابن الإنسان لموته الروحي بانفصاله عن الله لثلاثة أيام، ثمّ يقوم لأنّه بارّ. (متى 10: 28 وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.) لا يخاف الرب يسوع لموت الجسد لأنّه يفعل ما يقول. هكذا مات آدم عندما طُرد من الجنّة وانقطعت علاقته بالله، لأنّ الله لا يتكلّم عن موت آدم في الجسد بسبب الخطيّة لأنّه عاش في الجسد 930 سنة بعد الخطيّة، لأنّ الله يتكلّم عن موت النفس بطرده من الجنّة وانقطاع العلاقة مع الله. هذا هو الموت الروحي. (يوحنا 8: 51 اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ».) لا يتكلّم الرب يسوع عن موت الجسد إنّما عن موت الروح. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي، آية روحيّة لكل مؤمن في الروح، ليمكث مع الرب يسوع في الروح ويسهر معه ولا ينام في الروح. هكذا يعمل المؤمن الروحي كل حين مع الرب يسوع في الروح، فلا ينام في الروح لينشغل في شهوات العالم.
39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ».: تقدّم قليلاً عن تلاميذه وخرّ على وجهه يصلّي بينه وبين أباه السماوي (متى 6: 6 وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ) الرب يسوع يقول ويفعل ما يقول، لذلك تقدّم يصلي على انفراد. الرب يسوع ابن الإنسان، يُصلّي ويطلب من روح الله السماوي، أن يعبر عنه كأس الألم والموت الروحي الظاهر في المثل الجسدي بألم الجسد وموته، لأنّها آية سماويّة لألمه وموته في الروح ليفدي الخطاة في الروح. يطلب الرب يسوع من الآب أن يعبر عنه هذه الكأس إن أمكن لشدّة ألم الموت الروحي، لأنّ الموت الروحي هو الانفصال في الروح عن الله.
40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟: آية روحيّة للمؤمن الجسدي، ينام في الروح ولا يسهر مع الرب يسوع كل حين. (عدد 41 أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ). يتكلّم الرب يسوع مع بطرس ليصنع آيات روحيّة يتكلّم بها مع المؤمنين به. بطرس، قبل ولادته من الروح، هو كل مؤمن لم يولد من الروح، لذلك لا يقدر أن يسهر في الروح، وأيضاً يخاف ويشكّ ويُنكر. لكن بعد الخلاص بالولادة من الروح لا ينام ولا يخاف ولا يشك ولا يُنكر. (1تسالونيكي 5: 17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.) لا يستطيع أن يصلّي بلا انقطاع إلاّ من يصلّي في الروح. هكذا أيضاً كل حين في الروح يسهر المؤمن مع الرب يسوع.
41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».: اسهروا وصلّوا في الروح النشيط وليس في الجسد الضعيف، لئلا تدخلوا في تجربة روحيّة. المؤمن الّذي ينام في الروح يدخل في تجربة روحيّة لأنّه ينام في الروح ليعمل لشهوات الجسد بعيداً عن كلمة الله السماويّة. هذا هو المؤمن الّذي لا يصلّي كل حين في الروح. (تسالونيكي الأولى 5: 17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.). يقول الرب يسوع أنّ الصلاة الروحيّة بلا انقطاع تمنع التجربة عن المؤمن الصالح. (متى 6: 13 وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.). الصلاة بلا انقطاع هي العلاقة الروحيّة مع الرب يسوع بلا انقطاع. لا يطلب الرب يسوع من المؤمن أن يسهر معه في الجسد الضعيف، لأنّه يطلب منه أن يسهر معه في الروح النشيط، وأيضاً لا يتكلّم عن صلاة المؤمن في الجسد الضعيف بتكرار الكلام، إنّما عن الصلاة بالعمل في الروح النشيط الّذي لا ينام. يسهر المؤمن ويصلّي كل حين في حياة روحيّة دون فرائض جسديّة لأنّها لحياة أبديّة، يعمل بها في الروح قبل موت الجسد وإلى الأبد بعد موت الجسد. العمل مع الرب يسوع هو عمل روحي نشيط وليس عمل جسدي ضعيف، (رومية 8: 8 فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ. 9وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ.). الّذين في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله لأنّهم يعملون بفرائض وعادات جسديّة تنام. (متى 13: 10 فَتَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا تُكَلِّمُهُمْ بِأَمْثَال؟» 11فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ.) المؤمن الجسدي الضعيف يعمل بالمثل الأرضي، والمؤمن الروحي النشيط يعمل بأسرار ملكوت السماوات الروحيّة.
42 فَمَضَى أَيْضًا ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا، فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ».: مضى ابن الإنسان يصلّي ثانية يُكلّم أباه السماوي ويطلب مشيئته. صلّى أولاً وطلب إن أمكن أن يعبر عنه هذه الكأس ولكن ليس كما يريد هو كإنسان بل كما يريد الآب السماوي. وصلّى ثانيةً يطلب فيها أيضاً مشيئة الآب، لأنّ الرب يسوع، ابن الإنسان، يطلب مشيئة الآب السماوي كل حين حتى وإن كان فيها ألم وموت ابن الإنسان البارّ. مشيئة الآب هي خلاص الإنسان وليس ألم وموت ابنه، لكن خلاص الإنسان الخاطي لا يتمّ إلاّ بموت ابن الإنسان البارّ، ليفدي الخاطي بالحقّ والنعمة.
43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً.: للمرّة الثانية يأتي إلى تلاميذه فيجدهم نيام لأنّ أعينهم ثقيلة. آية تتكلّم عن شهادة ثانية على عدم قدرة المؤمن على السهر في الروح قبل ولادته من فوق. لأنّ أعين المؤمن قبل ولادته من الروح ثقيلة في النظر الدائم إلى الرب يسوع. آية روحيّة عن المؤمن الّذي يتبع الرب يسوع لكنّه ينام في الروح لينشغل عنه في أموره الجسديّة. فلا ينظر إلى الرب يسوع كل حين ولا يصلّي كل حين لأنّه ينام في الروح.
44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.: تركهم الرب يسوع للمرّة الثالثة ومضى أيضاً يصلّي ويطلب مشيئة الآب. هكذا يطلب المؤمن الصالح مشيئة الآب في كل شيء. طلب الرب يسوع مرّة واحدة في صلاته الأولى ليعبر عنه كأس الألم إن أمكن، لكنّه في المرة الثانية والثالثة لم يكرّر هذا الطلب، لأنّها آية روحيّة للمؤمن الصالح فيطلب ما يراه صالحاً لنفسه مرّة واحدة، ويترك الآب السماوي يعمل حسب مشيئته الصالحة. يطلب المؤمن مرّة واحدة لأنّه يعلم أنّ الله يسمع من مرّة واحدة ولا يحتاج إلى تكرار الكلام (متى 6: 7 وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ.) أمّا مشيئة الآب فيطلبها المؤمن في حياته كل حين. لذلك طلبها الرب يسوع ثلاث مرّات، ثلاث مرّات يصلّي، ثلاث مرّات يطلب مشيئة الآب، وثلاث مرّات يعود إلى تلاميذه ويجدهم نيام. عدد ثلاثة للشهادة الكاملة بأن الرب يسوع ابن الإنسان لا ينام في الروح، يصلّي كل حين ويطلب مشيئة الآب دون انقطاع، وهي شهادة كاملة على نوم المؤمن في الروح قبل ولادته من فوق. (متى 18: 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.). المؤمن الّذي يولد من الروح لا ينام في الروح لأنّه يصلّي كل حين ويطلب مشيئة الآب دون انقطاع، لأنّ روح الله يسكن فيه.
45 ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ.: قال لهم هذه المرّة ناموا واستريحوا لأنّه يعلم أنّ المؤمن لا يستطيع أن يسهر في الروح إلاّ بعد ولادته من فوق. جاء للمرّة الثالثة ووجدهم نيام فقال لهم ناموا الآن واستريحوا ولم يقل "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ" لأنّهم سينامون في الروح إلى يوم قيامته من بين الأموات. لأنّ الساعة قد اقتربت ليتركهم ويذهب إلى الألم والموت. لا يعتمد المؤمن في الروح إلاّ بعد قيامة الرب يسوع من الموت في قلبه، ليدفع عنه ثمن الخطيّة ويأخذ حياة أبديّة (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.).
46 قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!».: لماذا يقول لهم ناموا الآن واستريحوا ويقول لهم في ذات الوقت قوموا ننطلق؟ لأنّ الرب يسوع يتكلّم في آيات روحيّة. آية يقول فيها ناموا واستريحوا في الروح منتظرين موت وقيامة الرب يسوع ليعملوا في حياة روحيّة لا تنام. وآية يقول فيها قوموا ننطلق لأنّ الّذي يسلّمه قد اقترب والرب يسوع يذهب معه إلى الموت بإرادته وبعلمه السابق.
47 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ، إِذَا يَهُوذَا أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ قَدْ جَاءَ وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَشُيُوخِ الشَّعْبِ.: وفيما هو يتكلّم عن اقتراب الّذي يسلّمه، جاء يهوذا أحد تلاميذه ليسلّمه للألم والموت ومعه جمع كثير من الّذين يطلبون له الموت، لذلك جاءوا بسيوف وعصيّ ليُمسكوا ابن الإنسان البارّ الّذي لا يُقاوم الشرّ بالشرّ. أسلم يهوذا الرب يسوع وهو أحد تلاميذه، هذا هو المؤمن الّذي يتبع الرب يسوع في ظاهره أمام الناس لكنّه في قلبه يعمل لشهواته في هذا العالم. يهوذا هو كل مؤمن يتبع رؤساء الكهنة والكتبة حتّى وإن كانوا على خطأ، لأنّه يأخذ منهم ما يرضيه في هذا العالم، مادّيّاً أو معنويّاً. يهوذا هو كل خادم يُظهر إيمانه بالرب يسوع لكنّه لا يعمل ولا يُعلّم حسب كلمة الله الروحيّة في المكتوب، هكذا يسلّم الرب يسوع للموت في قلوب الّذين يسمعونه.
48 وَالَّذِي أَسْلَمَهُ أَعْطَاهُمْ عَلاَمَةً قَائِلاً: «الَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ».: بقبلة الأفعى يسلّم يهوذا الرب يسوع للموت. هكذا يعمل الشيطان في الّذي يسمح له باستخدامه لعمل الشرّ. يُظهر المحبّة ويضمر الشرّ. (يوحنّا 13: 27 فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ.). آية روحيّة تتكلّم عن قبلة الموت الروحي في المرائين أولاد إبليس، الّذين يُظهرون المحبّة والإيمان لكنّهم يعملون لموت الرب يسوع في قلوب السامعين لهم. (يوحنّا 8: 44 أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا.). يهوذا هو كل خادم غير أمين في خدمة الرب يسوع.
49 فَلِلْوَقْتِ تَقَدَّمَ إِلَى يَسُوعَ وَقَالَ: «السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ.: يقول المؤمن المرائي للرب يسوع: سلام، ويقول يا سيّدي، وأيضاً يقبّله. ثلاث علامات تدلّ على الإيمان والمحبّة للرب يسوع. أولاً يُظهر السلام، أي أنّه يأتي إلى الرب يسوع مسالماً وليس محارباً لكلمة الله. ثانياً يقول أنّ الرب يسوع كلمة الله هو السيّد على حياته. وثالثاً يقبّله، أي يُظهر له المحبّة. هذه هي صفات المؤمن الصالح الّذي يعمل بها. لذلك يهوذا هو المؤمن غير الصالح لأنّه لا يعمل بهذا الكلام. (متى 7: 21 «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.) قال يهوذا سلام، لكنّه أتى ومعه جمع بسيوفٍ وعصيّ. قال يهوذا للرب يسوع يا سيّدي، لكنّه لم يفعل إرادة سيّده بل كان يخدم سيداً آخر وهو المال. قبّل يهوذا الرب يسوع دليل المحبّة، لكنّه بهذا الفعل سلّمه للموت. يهوذا هو كل مرائي يُظهر إيمانه بالكلام لكنّه يفعل العكس.
50 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا صَاحِبُ، لِمَاذَا جِئْتَ؟» حِينَئِذٍ تَقَدَّمُوا وَأَلْقَوْا الأَيَادِيَ عَلَى يَسُوعَ وَأَمْسَكُوهُ.: يقول الرب يسوع ليهوذا الّذي يُسلمه يا صاحب، لأنّ الرب يسوع يمنح الفرصة لكل إنسان على الأرض ليتوب عن خطاياه، فلا يدعوه عدوّه. آية روحيّة لكل مؤمن فلا يدعو الخاطي عدوّه لأنّ فرصة خلاصه مفتوحة أمامه ليتوب ويصبح أخاً للرب يسوع. (متى 5: 44 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ). الرب يسوع يحبّ أعداءه وجاء ليموت من أجلهم. لكن بعد موت الجسد تنتهي الفرصة وتأتي الدينونة الأبديّة على كل خاطي حسب أعماله. (يوحنا 12: 47 وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ. 48مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ). قال الرب يسوع ليهوذا "لماذا جئت؟" لا ليسأل عن سبب مجيئه لأنّه يعلم لماذا جاء، إنّما ليقول له لماذا جئت تفعل الشرّ بنفسك فتذهب إلى الهلاك الأبديّ. وأيضاً ليقول بسؤاله أنّ ما فعله يهوذا هي إرادة يهوذا، ليتمّ المكتوب في علم الله السابق وليس بإرادة الله ليهوذا أن يفعل الشرّ. بقبلة من يهوذا تقدّم الخطاة وألقوا الأيادي على الرب يسوع وأمسكوه. آية روحيّة لكل خادم يتبع الرب يسوع في ظاهره لكنّه في قلبه ينظر إلى شهوات العالم للحياة الجسديّة، فيصبح عثرة أمام الّذين يسمعونه، فيرفضون الرب يسوع البارّ بسبب أعماله. هكذا يسلّم الرب يسوع للموت في قلوبهم، لأنّهم سينظرون إلى أعماله في العالم قبل أن يسمعوا كلامه السماوي.
51 وَإِذَا وَاحِدٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَ يَسُوعَ مَدَّ يَدَهُ وَاسْتَلَّ سَيْفَهُ وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَقَطَعَ أُذْنَهُ.: آية تتكلّم عن المؤمن الّذي يدين الإنسان الخاطي ويحكم عليه بأنّه لا يستحقّ الخلاص، فيمنع عنه كلمة الله بقطع أذنه عن السمع. حاول هذا المؤمن أن يقاوم الشرّ بالشرّ ليدافع عن كلمة الله باستخدام السيف. (متى 5: 39 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا.). سيف الروح هو كلمة الله سيف الحقّ السماوي (أفسس 6: 17 وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ.). يستخدم المؤمن بالرب يسوع سيف الكلمة السماويّة لخلاص النفوس من الموت الأبدي وليس لإدانتهم. لأنّ الرب يسوع جاء بكلمة الحقّ السماوي فقط لخلاص الإنسان. صنع الرب يسوع سيف الروح على الأرض لمحاربة الخطيّة وأرواح الشرّ سبب هلاك الإنسان. (مرقس 5: 8 لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «اخْرُجْ مِنَ الإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا الرُّوحُ النَّجِسُ».) بسيف الكلمة الروحيّة طرد الرب يسوع الروح النجس من الإنسان لخلاص الإنسان في الروح. تُستخدم الأذن للسمع، إمّا لكلمة الله لخلاص النفس، إمّا للشر لهلاك النفس. واحد من الّذين مع الرب يسوع استخدم السيف ليدين به عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه لأنّه يسمع للّذي أرسله لعمل الشرّ. يرفض الرب يسوع هذه الإدانة حتّى وإن كان يراها المؤمن أنّها بالعدل. آية روحيّة لكل مؤمن فلا يقطع أذن أي إنسان عن السمع لكلمة الله حتّى وإن كان يراه خاطي لا يستحقّ. لأنّ الّذي لا يستحق هو فقط الّذي يرفض أن يسمع. تُقطع الأذن في الحياة الروحيّة بمنعها من السمع وليس بقطعها من الجسد، لأنّ كلمة الله آيات روحيّة سماويّة.
52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!: (متى 7: 2 لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.). ردّ سيفك إلى مكانه لأنّ مكانه في المؤمن لحمايته من شرّ الخطيّة، لا ليستخدمه لإدانة الآخرين. لأنّ الّذي يستخدم كلمة الله، سيف الحقّ، ليدين الآخرين، سيُدان هو أيضاً بسيف الحقّ حسب أعماله. جاء الرب يسوع ليفدي الخطاة بالنعمة، فمن يطلب النعمة لنفسه يطلبها أيضاً لغيره، ومن يطلب أن يدين بالحقّ سيُدان هو أيضاً بالحقّ. (أفسس 2: 8 لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ.). (يوحنا 12: 47 وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ. 48مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ). (يوحنا 8: 7 «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!»).
53 أَتَظُنُّ أَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ جَيْشًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ؟: لماذا لا يطلب الرب يسوع، ابن الإنسان، من أبيه أن يرسل له أكثر من اثني عشر جيشاً بدلاً من اثني عشر تلميذاً ليدافعوا عنه؟ لماذا يترك الله ابنه الوحيد بيد الخطاة؟ لأنّ الرب يسوع جاء بنفسه إلى العالم ليدفع بالألم والموت ثمن خطيّة الإنسان، لأنّ أجرة الخطيّة هي موت. آية روحيّة لكل مؤمن ليفهم أنّ الرب يسوع لا يحتاج إليه ليدافع عنه، لأنّ الرب يسوع جاء إلى العالم وهو يعلم أنّه سيُهان ويُضرب ويُقتل من كثيرين، لأنّ إله هذا الدهر هو إبليس، والرب يسوع جاء ليغلب ابليس الخطيّة والموت الروحي ببرّ أعماله وقيامته من الأموات. الإنسان في الجسد هو في فرصة خلاصه من الدينونة الأبديّة، الّتي تأتي على الخاطي حسب أعماله بعد انتهاء فرصته بموت الجسد.
54 فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الْكُتُبُ: أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟».: الرب يسوع يعمل إرادة الآب لأنّه كلمة الله، والكتب الروحيّة هي كلمة الله، كتبها أنبياء الله بقوّة الروح القدس ليعرف الإنسان إرادة الله فيعمل حسب المكتوب. جاء الرب يسوع ليكمّل المكتوب، أي ليعمل ما في الكتب ويتمّم النبوّات الّتي تكلّمت عن مجيئه لفداء الإنسان. (متى 5: 17 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.).
55 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ قَالَ يَسُوعُ لِلْجُمُوعِ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الْهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي.: في تلك الساعة، أي في ساعة الشرّ وسلطان الموت الروحي. (لوقا 22: 53 إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَلكِنَّ هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ».) هي الساعة الّتي جاء فيها يهوذا مع الجموع ليُمسكوا الرب يسوع فيتمّ المكتوب بحسب إرادة الآب وعلمه السابق، لأنّه يسمح لسلطان الظلمة بأن يعمل في العالم على يد الإنسان الخاطي الّذي يسمح لإبليس أن يستخدمه. الله لا يفعل الشرّ بالإنسان، لكنّ الإنسان الّذي أحب الظلمة أكثر من النور هو يفعل الشرّ، لأنّ الله ترك له الحرّيّة ليفعل ما يُريد. كأنّه على لصٍّ خرجوا بسيوف وعصيّ ليأخذوا ملك السلام، وهم يعلمون أنّه لا يقاوم الشّرّ بالشّرّ، لأنّه كان كل يوم يجلس معهم بسلام يعلّم في الهيكل عن محبّة الله السماويّة. آية تتكلّم عن الّذين يحملون في قلوبهم سلاح الشرّ لمحاربة كلمة الله في المؤمنين بالرب يسوع ملك السلام.
56 وَأَمَّا هذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ». حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلاَمِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا.: أمّا هذا كلّه فلم يكن بسبب قوّة الإنسان بسيوفه وعصيّه أو بسبب ضعف الرب يسوع أمام شرّهم، إنّما ليتمّ المكتوب بحسب إرادة الله لفداء الإنسان. وأيضاً لتظهر محبّة الله العظيمة للإنسان رغم شرّه، لأنّ الله ترك له حرّيّة العمل والاختيار. هكذا أظهر الرب يسوع محبّته غير المحدودة للإنسان بقبوله للألم والموت، ليمنح الخلاص بالحقّ والنعمة لكل خاطي يؤمن به حسب كلمة الله. حينئذ تركه التّلاميذ كلّهم وهربوا ليظهر ضعف المؤمن قبل خلاصه، يخاف يشك فيهرب. بهذا أيضاً يتمّ المكتوب (متى 26: 31 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.) المؤمن الصالح يعمل بقوّة إيمانه بالرب يسوع البارّ وليس بقوّة أعماله، لأنّ الرب يسوع هو الوحيد الّذي انتصر على الخطيّة وعلى كل التجارب ليربط الشيطان بعيداً عن كل مؤمن يعتمد عليه ولا يشكّ.
57 وَالَّذِينَ أَمْسَكُوا يَسُوعَ مَضَوْا بِهِ إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، حَيْثُ اجْتَمَعَ الْكَتَبَةُ وَالشُّيُوخُ.: أسلموا الرب يسوع لرئيس كهنة الله، وللكتبة والشيوخ ليحكموا على ابن الله بشهادة زور ويقتلوه. كلّ الّذين حكموا على الرب يسوع بالموت هم من المؤمنين بالله، لكنّهم لم يعتمدوا بكلمة الله بل قتلوا كلمة الله بأعمالهم. لم يعملوا بوصايا الله وهم يُعلّمون وصايا الله، لذلك ليس كل من يؤمن بالله يدخل ملكوت الله (متى 7: 21 لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.) آية تتكلّم عن كل مؤمن يعمل ويخدم بحسب أفكاره الأرضيّة وليس بحسب كلمة الله الروحيّة، فيقتل بأعماله كلمة الله الروحيّة ليخسر حياته الأبديّة، وأيضاً يقتلها في قلب كل من يسمع كلامه.
58 وَأَمَّا بُطْرُسُ فَتَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ إِلَى دَاخِل وَجَلَسَ بَيْنَ الْخُدَّامِ لِيَنْظُرَ النِّهَايَةَ.: بدأ بطرس يشك وينكر المسيح في قلبه لأنّه خاف، فهرب وتبعه من بعيد. جلس بين الخدّام ليظهر كواحد منهم وليس كواحد من تلاميذ المسيح. خاف بطرس وهرب لأنّ المؤمن قبل خلاصه الروحي يتّكل على قوّته، لكنّ التجربة تُظهر حقيقة ضعفه. كما يتبرّر المؤمن بإيمانه بالرب يسوع البارّ وليس بأعماله، هكذا أيضاً بالإيمان يأخذ القوّة من الرب يسوع لينتصر على الخوف والتجارب.
59 وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخُ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةَ زُورٍ عَلَى يَسُوعَ لِكَيْ يَقْتُلُوهُ: كان رؤساء الكهنة والشيوخ وكل المجمع، أي كل اليهود الّذين يؤمنون بالله بحسب التعاليم الباطلة، يطلبون شهادة زور لأنّهم لم يجدوا شهادة حقّ ليدينوا بها الحقّ الّذي في الرب يسوع البارّ. لذلك هم يعملون على قتل الحقّ مخالفين لوصيّة الله في الناموس. مراؤون يطلبون شهادة زور ليظهروا أمام الشعب أنّهم يحكمون بالعدل. مراؤون، شهود زور، وقتلة.
60 فَلَمْ يَجِدُوا. وَمَعَ أَنَّهُ جَاءَ شُهُودُ زُورٍ كَثِيرُونَ، لَمْ يَجِدُوا. وَلكِنْ أَخِيرًا تَقَدَّمَ شَاهِدَا زُورٍ: لم يجدوا شهادة زور ليحكموا على الرب يسوع البارّ، ليظهروا أمام الشعب أنّهم يحكمون عليه بالعدل. مع أنّه جاء شهود زور كثيرون، لكنّهم لم يجدوا الشهادة الّتي يقتنع بها الشعب. ولكن أخيراً وجدوا شاهدا زور يشهدان عليه باستخدامهما الخاطئ لكلمة الرب، فقبلوا شهادتهم لأنّ الشعب لم يفهم المعنى الروحي لما قاله الرب. لماذا شاهدا زور؟ لأنّ الحكم يقوم على فم شاهدين أو أكثر، وهنا الحقّ المزيّف قام على فم شاهدا زور. هذه الآية تتكلّم عن الّذين يحاربون كلمة الله باحثين عن شهادة زور محاولين قتل كلمة الله في قلوب المؤمنين بالرب يسوع البارّ، لكنّهم لم يجدوا لذلك يحاولون قتله باستخدامهم الخاطئ لكلمة الله لأنّهم لا يفهمون أنّها روحيّة.
61 وَقَالاَ: «هذَا قَالَ: إِنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَنْقُضَ هَيْكَلَ اللهِ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِيهِ».: لماذا هذه الشهادة هي شهادة زور؟ لأنّهما لا يتكلّمان حسب كلمة الله فقط في المكتوب. هكذا فعل ابليس عند تجربة الرب يسوع على جناح الهيكل (متى 4: 5 – 7) قال الرب يسوع "انقضوا أنتم" ولم يقل "أنا أنقض" وأيضاً قال "أنا أقيمه" وليس "أبنيه". لذلك هي شهادة زور. شهادة لا تدين الرب يسوع لأنّه في هذه الآية الروحيّة يتكلّم عن موته وقيامته (يوحنا 2: 19 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». 20فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» 21وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ.). آية روحيّة يتعلّم منها المؤمن ليعمل ويتكلّم فقط حسب المكتوب وليس حسب ما يُقال أنّه مكتوب، لأنّ كلمة الله آيات سماويّة روحيّة لا يصلح فيها التغيير ولا في حرف واحد. هي أمثال جسديّة أرضيّة يفسّرها الرب يسوع للمؤمنين به باستخدامه للمفسّرين الّذين اختارهم بنفسه لهذا العمل، فيعمل المؤمن بها في حياة روحيّة سماويّة أبديّة، لا جسديّة أرضيّة تزول.
كيف يشهد الإنسان شهادة زور ليقتل الرب يسوع كلمة الله؟ الإنسان الّذي لا يفهم كلمة الله السماويّة لا يعمل بها في حياة روحيّة، فيشهد عنها شهادة زور بأعماله وبكلامه الخاطئ عنها أمام الناس، فيقتل كلمة الله الروحيّة في قلوب السامعين له. (رؤيا 22: 18 لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذَا الْكِتَابِ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذَا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا الْكِتَابِ.)
62 فَقَامَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هذَانِ عَلَيْكَ؟»: يبحث رئيس الكهنة المرائي عن شهادة زور وينتظر من الرب يسوع البارّ أن يُجيبه ليدافع عن نفسه. لا يُجيب الرب يسوع بشيء لأنّ المرائي غير مستحقّ. كلمة الله هي آيات روحيّة فيها أسرار ملكوت السماوات للمؤمنين فقط، الّذين يبحثون عن الحقّ السماوي، لذلك لا يجيب الرب يسوع كل من يأتي إليه ليجرّب أو ليحارب كلمة الله.
63 وَأَمَّا يَسُوعُ فَكَانَ سَاكِتًا. فَأَجَابَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَقَالَ لَهُ: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟»: يسكت الرب يسوع لأنّه يتجاهل المرائين وشهود الزور الّذين يُغيّرون كلامه ليشهدوا عليه بغير الحقّ. كثيرون من غير المؤمنين يفعلون هكذا ليقتلوا كلمة الله في قلوب المؤمنين. يطلب رئيس الكهنة من الرب يسوع ويستحلفه بالله الحيّ أن يقول لهم إن كان هو المسيح ابن الله المنتظر، لأنّه يعلم أنّ المسيح سيأتي حسب النبوّات، لكنّهم رفضوه وقتلوه ليأخذوا ميراثه لأنفسهم. (متى 21: 38 وَأَمَّا الْكَرَّامُونَ فَلَمَّا رَأَوْا الابْنَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هذَا هُوَ الْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ وَنَأْخُذْ مِيرَاثَهُ!). ميراث الرب يسوع هم المؤمنون باسمه. يأخذون ميراثه لأنّهم لا يخدمون لمجد الرب صاحب الكرم إنّما لمجد أنفسهم، لذلك هم يبحثون عن شهادة زور وليس عن شهادة الحقّ.
64 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ!: قال له أنت قلت لأنّ رئيس الكهنة الّذي يبحث عن شهادة زور ليقتل الرب يسوع، هو يقول من ذاته ولا يعلنها له الله كما يعلنها للمؤمنين بالحقّ. آية لكل مؤمن مرائي لا يعمل حسب كلمة الله فقط في المكتوب، فلا يفهم حقيقة الرب يسوع الروحيّة لأنّه هو الّذي يقول وليس إعلان من الله. (متى 11: 27 كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ.). أمّا المؤمن الصالح فيعلن له الآب السماوي أنّ الرب يسوع هو المسيح ابن الله الحيّ. (متى 16: 17 فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.). آية روحيّة تقول أنّ الله لا ينظر إلى رئيس الكهنة إن كان لا يعمل فقط حسب المكتوب، لكنّه ينظر إلى كل مؤمن بسيط يعمل حسب المكتوب.
وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ».: وأيضاً أقول لكم، أي أنّه المسيح ابن الله الحيّ الّذي جاء ليفدي الإنسان، وهو أيضاً ابن الإنسان الّذي يجلس عن يمين قوّة الآب ليدين الخطاة حسب أعمالهم. المجيء الأوّل من الأرض مولود من امرأة، والمجيء الثاني بقوّة على السحاب من السماء. من الآن يبصره المؤمن عن يمين القوّة في السماء لأنّه بموت ابن الإنسان قوّة المحبّة للفداء. ويبصره غير المؤمن آتياً عن يمين القوّة لدينونة الخاطي حسب أعماله. (متى 24: 30 وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. 31فَيُرْسِلُ مَلاَئِكَتَهُ بِبُوق عَظِيمِ الصَّوْتِ، فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ السَّمَاوَاتِ إِلَى أَقْصَائِهَا.). (متى 24: 38 لأَنَّهُ كَمَا كَانُوا فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلَ الطُّوفَانِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ وَيُزَوِّجُونَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ نُوحٌ الْفُلْكَ، 39وَلَمْ يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ.). يأتي الرب يسوع بمجدٍ عظيم كالطوفان ليدين العالم الّذي رفض الفداء. أتى الرب يسوع بتواضع عظيم ليفدي الإنسان من الموت الأبدي، لكنّه يأتي بقوّة ومجد عظيم ليدين بالحقّ كل الّذين رفضوا الرحمة الّتي قدّمها لهم الرب يسوع بألمه وموته.
65 فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!: مزّق رئيس الكهنة ثيابه غضباً، من محبّته المزيّفة لله ورفضه المزيّف للتجديف على الله، لأنّ المسيح يقول أنّه الجالس عن يمين القوّة ويأتي على سحاب السماء، أي أنّه هو الله. رئيس كهنة مرائي لا يرضى بالتجديف حسب قوله، لكنّه يبحث عن شهادة زور ليدين بها كلمة الله البارّ. لا حاجة لهم بعد إلى شهود لأنّهم بأنفسهم يشهدون على تجديفه كما يقولون. آية تتكلّم عن كل مؤمن بالله لكنّه لا يؤمن بأنّ الرب يسوع هو كلمة الله في جسد إنسان، ليكون هو أيضاً شاهد زور مع الّذين يشهدون عليه بالتجديف، لأنّ الله فقط هو الجالس عن يمين القوّة. آية تقول أنّ كل الّذين لا يؤمنون بالرب يسوع أنّه هو الله الّذي ظهر في العالم بجسد إنسان، يشهدون عليه أنّه يجدّف، لذلك إيمانهم بالله باطل كالّذين صلبوا المسيح.
66 مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا: «إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ».: رئيس كهنة الله وكل الّذين معه اتّفقوا ليقتلوا كلمة الله. (يوحنا 8: 7 «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ!») (متى7: 1 لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، 2لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ.). هؤلاء هم المؤمنون بالله الّذين لا يعملون إرادة الله.
67 حِينَئِذٍ بَصَقُوا فِي وَجْهِهِ وَلَكَمُوهُ، وَآخَرُونَ لَطَمُوهُ: لم يرفضوا فقط كلمة الله في الرب يسوع إنّما أيضاً أهانوا الكلمة بشرّهم فبصقوا في وجهه، وهاجموا كلمة الله فلكموه. وآخرون رفضوا أن يظهر الله في جسد انسان فلطموه. هكذا يفعل كل مؤمن بالله يرفض أنّ الرب يسوع هو الله الظاهر في جسد إنسان. هؤلاء هم الخنازير والكلاب، الّذين يرفضون الكلمة بالإهانة والعنف. (متى 7: 6 لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ.) تدوسها بأرجلها للإهانة، وتلتفت فتمزّقكم للعنف.
68 قَائِلِينَ: «تَنَبَّأْ لَنَا أَيُّهَا الْمَسِيحُ، مَنْ ضَرَبَكَ؟».: يضربونه ويسخرون منه لذلك لا يُجيبهم الرب يسوع بكلمة. آية روحيّة لكل مؤمن فلا يتكلّم بكلمة الله الروحيّة مع الّذين يحاربونها أو يسخرون منها. لأنّ كلمة الله مقدّسة تُعطى فقط للّذين يبحثون عن الحقّ السماوي.
69 أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِسًا خَارِجًا فِي الدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيلِيِّ!».: أمّا بطرس فكان جالسا خارج الدّار ليدخل في تجربة تُظهر له ضعف إيمانه وضعف قدرته على عدم انكار المسيح. دخل في تجربة لأنّه اعتمد على نفسه، غير مُصلّي كل حين، (متى 26: 41 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».) قال أنّه لا ينكره حتى وإن أنكره الجميع. التجربة تُظهر القدرة الحقيقيّة على الفعل لأنّ الكلام يسهل على الجميع.
70 فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ!»: أنكر بطرس أنّه يعرف الرب يسوع لأنّه خاف على نفسه، ليدل في هذا الفعل أنّه ضعيف الإيمان، يشكّ بقوّة الرب يسوع الّذي أُسلم إلى أيدي الأشرار ولم يُنجّ نفسه. بطرس في هذه الآية هو كل مؤمن يتبع الرب يسوع لكنّه لم يولد بعد من الروح القدس، فيعتمد على قوّته ليسقط عند أوّل تجربة.
71 ثُمَّ إِذْ خَرَجَ إِلَى الدِّهْلِيزِ رَأَتْهُ أُخْرَى، فَقَالَتْ لِلَّذِينَ هُنَاكَ: «وَهذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ!»: ثمّ إذ خرج إلى الدهليز تكلّمت جارية أخرى ليظهر للجميع أنّه ينكر الرب يسوع للمرة الثانية. يضع بطرس نفس مرّة أخرى أمام التجربة ليثبت إنكاره للمسيح في المرّة الثانية أنّه عن تصميم وإرادة، ليدلّ على ثباته في ضعف الإيمان.
72 فَأَنْكَرَ أَيْضًا بِقَسَمٍ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!»: أنكر بطرس للمرّة الثانية معرفته بالرب يسوع لكن هذه المرّة بقسم. في المرّة الأولى أظهر بطرس ضعف إيمانه بإنكاره للمسيح، والمرّة الثانية أظهر فيها أيضاً ضعف إيمانه مؤكّداً إيّاه بقسم (متى 5: 34 وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ). إنكار وقسم على شهادة زور. قبل التجربة كان بطرس يؤمن ويعترف بكل قوّته بالرب يسوع، ولكن بعد التجربة أصبح ينكره بكل قوّته.
73 وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ!»: للمرّة الثالثة يُقال لبطرس أنه يعرف الرب يسوع والسبب لغته، أي كلامه الّذي يميّزه عن الّذين لا يتبعون الرب يسوع المسيح، لأنّ المؤمن بالرب يسوع لا يتكلّم بلغة العالم وشهواته بل بلغة سماويّة لحياة أبديّة. دخل بطرس للمرّة الثالثة في التجربة ليكون إنكاره ثابتاً بشهادة ثالثة تُظهر ضعف المؤمن وإنكاره للرب يسوع عند التجربة قبل ولادته من الروح. (متى 18: 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ).
74 فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَ!» وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ.: وصل بطرس في المرّة الثالثة إلى قمّة الإنكار فابتدأ يلعن ويحلف. هذا هو بطرس وكل مؤمن يعتمد على نفسه ويقول أنّه لا ينكر الرب يسوع مهما جاء عليه من ضيق. المؤمن الّذي لا ينكر الرب يسوع عند الضيق هو الّذي ينكر نفسه ويتّكل على قوّة الروح القدس الّذي يسكن فيه. (متى 16: 24 حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي). (كورنثوس الثانية 6: 16 فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.). للوقت بعد انكاره ثلاث مرّات صاح الديك، آية روحيّة تقول أنّ المؤمن قبل الخلاص سينكر الرب يسوع إلى أن يصيح الديك. صياح الديك في الروح هو ساعة دخول النور السماوي إلى حياة المؤمن بالولادة من الروح، فيُشرق عليه كوكب الصبح المنير ليعمل بالروح القدس الّذي يسكن فيه فلا يُنكر أبداً. (مرقس 13: 35 اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا.).
75 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.: بكى بطرس بكاءً مرّاً على ضعفه أمام التجربة، لأنّه شكّ بالرب يسوع وأنكره. وأيضاً بكى لأنّه كان يثق بنفسه أكثر من ثقته بكلمة الرب. آية لكل مؤمن ليعمل واثقاً بكلمة الرب يسوع السماويّة أكثر من ثقته بنفسه وأفكاره الضعيفة. بعد صياح الديك، أي بعد الخلاص الروحي، يعلم المؤمن أنّه كان ضعيف الإيمان، يشك وينكر ويضعف أمام التجارب. لكن بعد صياح الديك يشرق في قلبه نور المسيح فيعمل بقوّة الروح القدس، فلا يشكّ ولا يُنكر إلى الأبد. هكذا أكمل التلاميذ في خدمة الرب بعد الخلاص دون شك أو إنكار.
بمشيئة الآب السماوي، وعمل الابن الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوّة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود