تفسير متى 20 - ربي يسوع المسيح

ربي يسوع المسيح
أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ
أحبك ربي يسوع
Go to content
تفسير متى 20

تفسير إنجيل مَتَّى

الأصحَاحُ الْعِشْرُونَ

 

1«فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ، 2فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ. 3ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ، 4فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا. 5وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ. 6ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟ 7قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ. 8فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ. 9فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا. 10فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا. 11وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ 12قَائِلِينَ: هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ! 13فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟ 14فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ. 15أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟ 16هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ».

17وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذًا عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: 18«هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، 19وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».

20حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا. 21فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ». 22فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». 23فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي». 24فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ الأَخَوَيْنِ. 25فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 26فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، 27وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، 28كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».

29وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، 30وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» 31فَانْتَهَرَهُمَا الْجَمْعُ لِيَسْكُتَا، فَكَانَا يَصْرَخَانِ أَكْثَرَ قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!» 32فَوَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَاهُمَا وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟» 33قَالاَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ تَنْفَتِحَ أَعْيُنُنَا!» 34فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا، فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ.

 

1 فَإِنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ خَرَجَ مَعَ الصُّبْحِ لِيَسْتَأْجِرَ فَعَلَةً لِكَرْمِهِ: فسّر الرب يسوع في هذا المثل كيف كثيرون أوّلون يكونون آخرين وآخرون أوّلين. يُشبّه الرب يسوع ملكوت السماوات في مثل أرضي يفهمه الّذي يسمع الكلمة حسب الجسد، أمّا المؤمن الروحي فيفهم الآية السماويّة من المثل ليعمل بها في الروح. الآية الروحيّة يفهمها ويعمل بها المؤمن الروحي فقط لأنّ الرب يسوع شفاه من أمراضه الروحيّة فيرى ويسمع ويفهم في الروح. (يوحنا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ). ربّ البيت في ملكوت السماوات هو الرب يسوع المسيح الّذي خرج من بيته السماوي وأتى إلى أرض الخطاة. مع الصبح لأنّه كوكب الصبح المنير، بمجيئه بداية للنهار الروحي في النور السماوي على الأرض.

2 فَاتَّفَقَ مَعَ الْفَعَلَةِ عَلَى دِينَارٍ فِي الْيَوْمِ، وَأَرْسَلَهُمْ إِلَى كَرْمِهِ: هذا هو الحقّ، لأنّه اتّفق مع الفعلة على أجرة العمل، دينار واحد في اليوم. الدينار الواحد هو مثل عن الأجرة الروحيّة الّتي يأخذها خادم الكلمة الروحيّة. اليوم في الروح هو حياة الإنسان على الأرض، الصبح هو بداية حياته مع الرب يسوع، والنهار هو مدة حياته مع الرب يسوع على الأرض، والمساء هو نهاية حياته على الأرض ليأخذ أجرة عمله من الرب يسوع ويبقى معه إلى الأبد. أرسل الرب يسوع خدّامه إلى كرمه في العالم لخلاص الإنسان، ليزرع الكلمة في قلوب الناس.

3 ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ وَرَأَى آخَرِينَ قِيَامًا فِي السُّوقِ بَطَّالِينَ: ثم خرج في الساعة الثالثة من النهار وهي الساعة الثالثة بعد الصبح. الصبح هو ساعة البداية لنهار فيه إثني عشرة ساعة مُقسّمة إلى أربعة أقسام، كل قسم ثلاث ساعات. السوق في الروح هو ملكوت السماوات، والبطّالون في السوق هم المؤمنون الّذين لا يعملون في خدمة الكلمة السماويّة.

4 فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَأُعْطِيَكُمْ مَا يَحِقُّ لَكُمْ. فَمَضَوْا: أرسلهم الرب يسوع للعمل في كرمه لأنّهم مؤمنون، لأنّ الرب يسوع لا يرسل غير المؤمن ليعمل في كرمه الروحي. آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع أنّه يختار للعمل في كرمه كل مؤمن في ملكوت السماوات. لذلك اختار كل البطّالين في السوق ليذهبوا إلى كرمه واتّفق معهم على الأجرة الّتي يستحقّونها، فمضوا لأنّهم يريدون العمل الروحي في كرم الرب.

5 وَخَرَجَ أَيْضًا نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَفَعَلَ كَذلِكَ: وخرج أيضاً نحو الساعة السادسة والتاسعة من النهار، السادسة والتاسعة بعد الصبح. هذه ساعات النهار مع النور التي تبدأ عند الصبح من بداية ظهور النور. هؤلاء أيضاً اتّفق معهم على أجرة عملهم لأنه فعل كذلك، أي كما فعل مع الّذين سبقوا إلى العمل.

6 ثُمَّ نَحْوَ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ خَرَجَ وَوَجَدَ آخَرِينَ قِيَامًا بَطَّالِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: لِمَاذَا وَقَفْتُمْ ههُنَا كُلَّ النَّهَارِ بَطَّالِينَ؟: لماذا في هذه المرّة خرج بعد ساعتين وليس بعد ثلاث ساعات كالمرّات السابقة "الثالثة والسادسة والتاسعة"؟ لأنّها الساعة الأخيرة للعمل قبل نهاية النهار عند الساعة الثانية عشرة. يتكلّم الرب يسوع في آية سماويّة عن نهار روحي على الأرض، فيه إثني عشرة ساعة هي حياة الإنسان في الجسد على الأرض، لأنّ الجسد هو الّذي يحسب مدّة الزمن وليس الروح. في هذه الآية يتكلّم عن العمل مع نور المسيح في كرمه، أي في ملكوت السماوات على الأرض. الساعة الحادية عشرة هي الساعة الأخيرة للعمل، لينتهي النهار عند الساعة الثانية عشرة ثم يأتي المساء، فهؤلاء الّذين اختارهم عند الساعة الحادية عشرة عملوا لساعة واحدة فقط، من الحادية عشرة إلى الثانية عشرة نهاية النهار، ثم يأتي المساء ليُحاسب كل الّذين عملوا في كرمه. اليوم الروحي هو حياة المؤمن على الأرض يبدأ عند ولادته من الروح، فمنهم من يختارهم الرب يسوع للعمل في ملكوته من بداية النهار الروحي مع الصبح، ومنهم من يختارهم للعمل نحو الجزء الثالث أو السادس أو التاسع من حياتهم الروحيّة وهم في الجسد على الأرض، أو من الساعة الحادية عشرة زمن قصير قبل نهاية النهار على الأرض بموت الجسد. آية يسأل فيها الرب يسوع كل مؤمن به بطّال لا يخدم كلمة الله: "لماذا وقفت طول النهار لا تعمل في الخدمة الروحيّة للأجرة السماويّة؟".

7 قَالُوا لَهُ: لأَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْجِرْنَا أَحَدٌ. قَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا إِلَى الْكَرْمِ فَتَأْخُذُوا مَا يَحِقُّ لَكُمْ: يريدون العمل في كرم الرب يسوع لأنّهم ينتظرون من يستأجرهم. يأتي الرب يسوع في الروح من خلال خدّامه إلى كل مؤمن لا يعمل في خدمة الكلمة لكنّه ينتظر من يستأجره ليخدم، فيرسله إلى كرمه ليخدم حسب الكلمة الروحيّة في المكتوب، فيأخذ ما يحقّ له من الرب يسوع أجرة عمله في السماء بعد نهاية النّهار الرّوحي على الأرض.

8 فَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لِوَكِيلِهِ: ادْعُ الْفَعَلَةَ وَأَعْطِهِمُ الأُجْرَةَ مُبْتَدِئًا مِنَ الآخِرِينَ إِلَى الأَوَّلِينَ: يأتي المساء بنهاية اليوم الروحي في الجسد على الأرض، ليأتي المؤمن في الروح إلى الحياة الأبديّة ويأخذ أجرة عمله من الرب يسوع. لذلك لا ينتظر المؤمن أجرة جسديّة من خدمة الكلمة السماويّة، لأنّها خدمة روحيّة أجرتها أيضاً روحيّة. صاحب الكرم هو الله والرب يسوع ابن الإنسان هو الوكيل (متى 16: 27 فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ.) يبدأ بإعطاء الأجرة من الآخرين إلى الأوّلين ليُظهر عين الشرّير الّذي ينظر إلى ما لغيره.

9 فَجَاءَ أَصْحَابُ السَّاعَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَأَخَذُوا دِينَارًا دِينَارًا: جاء الّذين عملوا ساعة واحدة فقط وأخذوا أجرة يوم كامل. الدّينار يرمز للأجرة الكاملة التي يأخذها خادم الرب الّذي يستخدم كل قدرته ووزناته.

10 فَلَمَّا جَاءَ الأَوَّلُونَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَكْثَرَ. فَأَخَذُوا هُمْ أَيْضًا دِينَارًا دِينَارًا: فلمّا جاء الأوّلون، الّذين بدأوا العمل من أوّل النّهار واتّفقوا مع ربّ البيت على دينار في اليوم، ظنّوا أنّهم يأخذون أكثر ممّا يحقّ لهم لأنّهم ينظرون إلى ما أخذ الآخِرون، لكنّهم أخذوا حقّهم وهو دينار في اليوم. الأوّلون هم الّذين لهم الزمن الأطول في الخدمة، لذلك يظنّون أنّهم أقرب إلى الرب يسوع من الّذين لهم الزمن الأقصر في الخدمة، حاسبين الأجرة أو محبّة الرب يسوع لهم بحسب مدّة خدمتهم.

11 وَفِيمَا هُمْ يَأْخُذُونَ تَذَمَّرُوا عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ: تذمّروا على ربّ البيت الّذي اتّفق معهم على أجرة عملهم وأعطاهم أجرتهم كاملة.

12 قَائِلِينَ: هؤُلاَءِ الآخِرُونَ عَمِلُوا سَاعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ سَاوَيْتَهُمْ بِنَا نَحْنُ الَّذِينَ احْتَمَلْنَا ثِقَلَ النَّهَارِ وَالْحَرَّ!: هؤلاء الآخِرون خدموا كلمة الله لزمن قصير، لأنّهم بدأوا العمل في الساعة الأخيرة من حياتهم الروحيّة على الأرض، ساعة واحدة من اثنتي عشرة ساعة مدة حياة المؤمن الروحيّة على الأرض. تذمّروا على ربّ البيت لأنّهم احتملوا مشقّة العمل طول النّهار، أي منذ بداية النّهار الروحي عندما قبلوا الرب يسوع إلى نهاية الحياة الروحيّة على الأرض بموت الجسد، وأخذوا أجرة تساوي أجرة الآخِرون الّذين عملوا ساعة واحدة فقط.

13 فَأجَابَ وَقَالَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ: يَا صَاحِبُ، مَا ظَلَمْتُكَ! أَمَا اتَّفَقْتَ مَعِي عَلَى دِينَارٍ؟: يُجيب ربّ البيت خادمه بقوله يا صاحب، لأنّ الرب يسوع يتكلّم بلغة السلام والحقّ. والحقّ هو أنّه لم يظلم خادمه لأنّه أعطاه الأجرة حسب الاتّفاق.

14 فَخُذِ الَّذِي لَكَ وَاذْهَبْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَ هذَا الأَخِيرَ مِثْلَكَ: خذ حقّك واذهب دون أن تنظر إلى ما لغيرك، لأنّه ليس لك الحقّ أن تتذمّر على ما يفعل غيرك بما له. آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع أنّ الأجرة السماويّة لا تُعطى حسب طول الزمن في الخدمة، إنّما تُعطى حسب اجتهاد المؤمن في محبّة الخدمة الروحيّة، لأنّ الزمن لا يوجد في الأبديّة.

15 أَوَ مَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَفْعَلَ مَا أُرِيدُ بِمَا لِي؟ أَمْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةٌ لأَنِّي أَنَا صَالِحٌ؟: عين هذا الخادم شرّيرة لأنّه يتذمّر على الحقّ ولا ينظر بعين المحبّة إلى الخير الّذي جاء لغيره. ينظر الرب يسوع إلى نفس المؤمن وليس إلى طول زمن الإيمان والخدمة، ويُعطي ممّا له لمن يُريد، ولا يحقّ للمؤمن أن يتذمّر لأنّ التذمّر بغير الحقّ هو عين شرّيرة أمام الرب يسوع الصالح. يقول الرب يسوع في هذه الآية أنّ أجرة الخدمة الروحيّة لا تُحسب بالمدّة الزمنيّة للخدمة، ويقول في آيات أخرى أنّها تُحسب بأمانة المؤمن وحبّه للعمل. (متى 25: 21 فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ.).

16 هكَذَا يَكُونُ الآخِرُونَ أَوَّلِينَ وَالأَوَّلُونَ آخِرِينَ، لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ»: كثيرين يُدعون إلى الحياة الأبديّة مع الرب يسوع، وقليلين يُنتخبون أوّلين في ملكوت السماوات. يتكلّم الرب يسوع عن أجرة العمل في كرمه، أي في ملكوت السماوات على الأرض، يأخذها المؤمن حسب عمله باستخدامه لوزناته وليس حسب مدّة عمله، ويُنتخب من الأوّلين أو يكون من الآخِرين حسب تذمّره أو نظره إلى ما لغيره بغير حقّ.

آية تتكلّم عن عدل الله مع خدّامه وعن حقّه في حرّية تصرفه بما له، وأنّ الخدمة لا تُقاس بالمدّة إنّما بالاجتهاد وحب العمل، لذلك في ملكوت السماوات أوّلون وآخرون. الأوّل في ملكوت السماوات هو الرب يسوع ابن الإنسان، ليس لمدّة عمله إنّما لكماله في المحبّة بعمله لخلاص الإنسان. لذلك ليس بمدّة الإيمان والخدمة إنّما بحسب قوّة المحبّة في خدمة كلمة الله الّتي تمنح المؤمن كماله في الروح.

17 وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ أَخَذَ الاثْنَيْ عَشَرَ تِلْمِيذًا عَلَى انْفِرَادٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَهُمْ: وفيما كان الرب يسوع صاعداً إلى أورشليم كانت الجموع تتبعه لذلك أخذ الإثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق. يكلّم تلاميذه على انفراد لأنّ لهم ان يعرفوا أسرار ملكوت السماوات وليس للجموع. (متى 13: 11 فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «لأَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، وَأَمَّا لأُولَئِكَ فَلَمْ يُعْطَ.). يقول الرب يسوع في هذه الآية الروحيّة أنّ كثيرون يتبعونه لكن ليس كثيرون يعرفون لماذا يصعد إلى أورشليم، لأنّه كلّم تلاميذه على انفراد.

18 «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ: أعلن الرب يسوع لتلاميذه الإثني عشر عن سرّ ذهابه إلى أورشليم. هكذا يعلنها في الروح لكل مؤمن يتبع الرب يسوع كل حين في الروح، فيفهم معنى الفداء. لماذا يقول الرب يسوع أنّه يصعد إلى أورشليم ولا يقول أنّه يذهب إلى أورشليم؟ لأنّها ترمز إلى أورشليم السماويّة الّتي يدخلها في الروح ابن الإنسان الملك السماوي العظيم. (غلاطية 4: 24 وَكُلُّ ذلِكَ رَمْزٌ، لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا الْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، الْوَالِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، الَّذِي هُوَ هَاجَرُ. 25لأَنَّ هَاجَرَ جَبَلُ سِينَاءَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَلكِنَّهُ يُقَابِلُ أُورُشَلِيمَ الْحَاضِرَةَ، فَإِنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا. 26وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ الْعُلْيَا، الَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا، فَهِيَ حُرَّةٌ.). (رؤيا 21: 2 وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا.) يصعد الرب يسوع إلى أورشليم وهو يعلم أنّه يُسلَّم إلى الموت، لأنّه وضع نفسه حتّى الموت ليُخلّص الإنسان الخاطي من الموت الأبدي. ابليس الخطيّة هو الّذي يُسلّم الرب يسوع للموت لأنّ له سلطان الموت، مستخدماً يهوذا الإسخريوطي الّذي اسلمه، وأيضاً رؤساء الكهنة والكتبة ليحكموا عليه بالموت، لكنّه انتصر على الموت بالقيامة. (العبرانيين 2: 14 فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ).

19 وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ»: أسلمه يهوذا الإسخريوطي بسبب الشهوات وحب المال في هذا العالم الّذي يزول، وحكم عليه رؤساء الكهنة والكتبة بالموت أيضاً بسبب الشهوات وحب التسلّط في هذا العالم الّذي يزول، وسلّموه إلى الأمم لكي يهزأوا به ويعذّبوه ويصلبوه بلا سبب، لكنّه في اليوم الثالث يقوم لينتصر على الموت ويُبطل سلطان ابليس، أي يبطل مفعول الخطيّة للموت الروحي في الدينونة الأبديّة، ويمنح من انتصاره غفران الخطايا وحياة أبديّة لكل خاطي يؤمن به. هذه آية روحيّة يقولها الرب يسوع في نبوّة لأنّه قال لهم ما سيكون بعد صعوده إلى أورشليم.

20 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ أُمُّ ابْنَيْ زَبْدِي مَعَ ابْنَيْهَا، وَسَجَدَتْ وَطَلَبَتْ مِنْهُ شَيْئًا: تقدّمت إليه أم تلميذيّ الرب مع ابنيها، يعقوب بن زبدي وأخاه يوحنا، وسجدت له لأنها تريد أن تطلب منه شيئاً.

21 فَقَالَ لَهَا: «مَاذَا تُرِيدِينَ؟» قَالَتْ لَهُ: «قُلْ أَنْ يَجْلِسَ ابْنَايَ هذَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنِ الْيَسَارِ فِي مَلَكُوتِكَ»: يسأل الرب يسوع كل مؤمن يأتي إليه ويقول: ماذا تريد؟ يجب على كل مؤمن أن يعرف ماذا يُريد من الرب يسوع. منهم من يسجد للرب يسوع لأنّه يُحب الرب يسوع الفادي، ومنهم من يسجد للرب يسوع في وقت ضيقه فقط لأنه يُريد أن يطلب شيء يحتاجه، لكن أم ابني زبدي تقدّمت إلى الرب يسوع وسجدت له لتطلب منه العظمة لابنيها فيجلسا واحد عن يمينه والآخر عن يساره، ليكون لهما سلطان فوق الجميع في ملكوت السماوات.

22 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ.: أجاب الرب يسوع تلميذيه وقال أنّهما لا يعلمان ما يطلبان لأنّ ما يطلبانه لا يُأخذ بالطلب، لأنّ الله يُعطي كل مؤمن بالرب يسوع حسب إيمانه واعتماده بالكلمة الروحيّة، وحسب خدمته في محبّة وتواضع. (متى 13: 8 وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ فَأَعْطَى ثَمَرًا، بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ).

أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟»: الكأس الّتي سوف يشربها الرب يسوع هي الألم والموت على الصليب من أجل الخطاة، فهل يستطيعا أن يشربا الكأس التي سوف يشربها هو؟ (متى 26: 27 وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا). والصبغة الّتي يصطبغ بها الرب يسوع هي صبغة البرّ، لذلك لم يقل "سوف أصطبغ بها" إنّما قال "أصطبغ بها أنا" الآن، لأنه بارّ وأكمل البرّ. فهل يستطيعا أن يصطبغا بصبغة البرّ؟ (متى 26: 26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي») هذه هي صبغة البرّ التي أكملها الرب يسوع بأعماله على الأرض.

قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ»: هل يستطيعا أن يشربا كأس الفداء؟ أو يصطبغا بصبغة البرّ؟ لا يستطيعا، لأنّ الرب يسوع هو ابن الإنسان البارّ الوحيد بأعماله، لذلك هو الوحيد الّذي يستطيع أن يفدي الإنسان الخاطي.

23 فَقَالَ لَهُمَا: «أَمَّا كَأْسِي فَتَشْرَبَانِهَا، وَبِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ.: قال الرب يسوع ليعقوب ويوحنا ليقولها آية روحيّة لكل مؤمن يتبعه في الروح. يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن كأسه الّتي يشرب منها المؤمن وليس عن كأس الفداء الّتي سألهما عنها في آية 22، لذلك قال "أما كأسي فتشربانها" لأنّه يتكلّم عن شربهما لكأس الخلاص الّذي صنعه الرب يسوع بدمه. (متى 26: 27 وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، 28لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا). وصبغة البرّ التي يصطبغ بها الرب يسوع يصطبغ بها كل مؤمن به في الروح، لأنّ المؤمن الروحي الّذي يأكل جسد الرب يسوع البارّ يصطبغ بصبغة البرّ الّتي في الرب يسوع البارّ. (متى 26: 26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي»). يأكل جسد الرب يسوع كل مؤمن يعمل حسب المكتوب، لأنّ المكتوب هو أعمال جسد الرب يسوع ابن الإنسان.

وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِيني وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي».: يمين الرب يسوع ويساره هو مكان واحد أعدّه الله للّذين يستحقّونه، حسب إيمانهم وتواضع خدمتهم للكلمة الروحيّة. فهو المكانة الأقرب إلى الرب يسوع لذلك قال: "ليس لي أن أعطيه"، وهو ليس لاثنين فقط إنما لكل الّذين أُعدّ لهم من أبي.

24 فَلَمَّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ اغْتَاظُوا مِنْ أَجْلِ الأَخَوَيْنِ.: اغتاظ العشرة تلاميذ من طلب التلميذين لأنّهم يطلبون كل واحد لنفسه أن يكون عن يمين ويسار ملك الملوك، لأنّهم يظنّون أنّهم هكذا يسودون ويتسلّطون على الجميع. لذلك قال لهم الرب يسوع في عدد 26 لا تكونوا هكذا كالأمم.

25 فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.: دعا الرب يسوع تلاميذه وكلّمهم عن رؤساء الأمم في هذا العالم كيف يسودون ويتسلّطون على شعوبهم. ليقول لتلاميذه ولكل مؤمن به أنّه لم يأت ليسود عليهم أو يتسلّط على الّذين يتبعونه، إنّما وضع نفسه حتى الموت من أجلهم. فلا تكونوا كالأمم الّذين لا يعرفون المحبّة الحقيقيّة كما أنتم تعرفونها (فيليبي 2: 8 وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ). الأمم هم الّذين لا يؤمنون بكلمة الله، لذلك يعملون حسب شهوات العالم، ورؤساء الأمم يسودونهم لأنّهم يسيطرون على شعوبهم، والعظماء في هذا العالم، بالمال أو بالسلطة أو بالمعرفة يتسلّطون على الفقراء والضعفاء والبسطاء.

26 فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا: لا تكونوا كالأمم في تكبّر النفس وحب التسلّط، لأنّ الحياة الروحيّة مع الرب يسوع هي حياة المحبّة والتواضع. آية روحيّة يقولها الرب يسوع لتلاميذه ليتعلّم منه كل مؤمن يعمل بكلمة الله الروحيّة. يقول الرب يسوع أنّه في العمل بمحبّة وتواضع يكون المؤمن عظيماً في ملكوت السماوات، ليس في كثرة المعرفة ولا في قدرته على توصيل الكلمة، إنّما فقط في تواضعه ومحبّته للعمل الروحي في خدمة المؤمنين. (متى 18: 4 فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.).

27 وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا: من أراد أن يكون عظيماً في ملكوت الله فليكن خادماً في الروح للمؤمنين، ومن أراد أن يكون أوّلاً في مكانه عن يمين ويسار الرب يسوع فليكن عبداً في الروح للمؤمنين. الأوّل في ملكوت السماوات لا يطلب لنفسه أن يكون الأوّل أمام الناس، لأنّ الّذي يطلب مجده من الناس يستوفي أجره من الناس، لذلك يهتمّ المؤمن الصالح ليكون الأوّل في عين الرب يسوع، ليأخذ أجره الأبدي من الرب يسوع.

28 كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»: الإنسان لا يخدم الرب يسوع لأن الرب يسوع هو الّذي جاء ليخدم الإنسان. جاء الرب يسوع ابن الإنسان البارّ ليخدم الخطاة، فصنع قوّات وعجائب ليطرد الشياطين ويشفي المرضى، وصنع آيات تتكلم عن أسرار ملكوت السماوات، وبذل نفسه ليفدي كل خاطي يؤمن به. كل ما يفعله الإنسان هو الإيمان بالرب يسوع الّذي صنع له الخلاص بالموت من أجله. الرب يسوع يخدم الإنسان لأنّه الطبيب الروحي الشافي من كل مرض روحي، وهو الراعي الصالح الّذي يبذل نفسه عن الخراف (فيليبي 2: 8 وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.)، (يوحنا الأولى 3: 16 بِهذَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَحَبَّةَ: أَنَّ ذَاكَ وَضَعَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، فَنَحْنُ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَضَعَ نُفُوسَنَا لأَجْلِ الإِخْوَةِ.).

29 وَفِيمَا هُمْ خَارِجُونَ مِنْ أَرِيحَا تَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ: وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير في طريقهم إلى أورشليم، والرب يسوع في طريقه إلى الألم والموت من أجلهم ومن أجل كل مؤمن يتبعه في الروح.

30 وَإِذَا أَعْمَيَانِ جَالِسَانِ عَلَى الطَّرِيقِ. فَلَمَّا سَمِعَا أَنَّ يَسُوعَ مُجْتَازٌ صَرَخَا قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!»: أعميان على طريق الرب يسوع، يؤمنان أنّه المسيح الّذي جاء حسب النبوّات من نسل داود، لذلك صرخا يطلبان منه الشفاء. آية روحيّة لشفاء المؤمن من عمى الروح فيرى الرب يسوع في الآيات السماويّة وليس في الأمثال الجسديّة، فلا يسمع فقط عن الرب يسوع المخلّص، بل يراه بعين روحيّة ليعمل في الروح بكلمة الله السماويّة. آية روحيّة عن أعميين يطلبان في الروح والرب يسوع يستجيب. (متى 18: 19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 20لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ».).

31 فَانْتَهَرَهُمَا الْجَمْعُ لِيَسْكُتَا، فَكَانَا يَصْرَخَانِ أَكْثَرَ قَائِلَيْنِ: «ارْحَمْنَا يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ!»: كثيراً ما ينتهر الجمع الكثير من المؤمنين ليسكتوا عن صراخهم إلى الرب يسوع، لكن المؤمن الّذي يبحث عن الحقّ والخلاص السماوي لا يسكت، بل يصرخ بإصرار أكثر ويطلب الرحمة من الرب يسوع. هذا الصراخ يدل على حاجة الأعمى للشفاء من الظلمة، فالّذي يرى حاجته للخلاص من الظلمة الروحيّة يصرخ إلى الرب يسوع في الروح بإصرار وبلا انقطاع، فيأخذ الشفاء ويُبصر نور الكلمة الروحيّة في الرب يسوع الفادي.

32 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَنَادَاهُمَا وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ بِكُمَا؟»: يستجيب الرب يسوع لصراخ كل مؤمن يطلبه، فيقف ليسمع منه ماذا يُريده أن يفعل به. هل يطلب المؤمن حاجة روحيّة يحتاجها لحياته الأبديّة مع الرب يسوع، أم يطلب أمور أرضيّة جسديّة تفنى، لم يأت الرب يسوع ليتألّم ويموت من أجلها.

33 قَالاَ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، أَنْ تَنْفَتِحَ أَعْيُنُنَا!»: يطلب الإنسان حاجته من الّذي له قدرة على الاستجابة لطلبه، هذا هو إيمان الأعميين لذلك يطلبان من الرب يسوع أن يُبصرا. آية روحيّة للّذي يطلب الشفاء الروحي، فيعترف أنّه أعمى الروح ويطلب الشفاء من الطبيب الروحي. كل إنسان يطلب أن يرى النور السماوي في الرب يسوع يجب أن يعترف أنه في ظلمة روحيّة ويحتاج إلى الرب يسوع الفادي ليبصر، فيطلب منه بإيمان وإصرار (يعقوب 1: 6 وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ).

34 فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَلَمَسَ أَعْيُنَهُمَا، فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَتْ أَعْيُنُهُمَا فَتَبِعَاهُ.: يتحنن الرب يسوع على أعمى الروح الّذي يطلب الشفاء بإصرار، فيلمسه في الروح ليبصر ما للروح ويتبعه عاملا بالكلمة الروحيّة. أبصرا فتبعاه، آية روحيّة تقول أنّ أعمى الروح يؤمن بالرب يسوع لكنّه لا يستطيع أن يتبعه في الروح إلاّ بعد شفائه من عمى الروح.

تتكلم هذه الآية عن ظلمة الإنسان الروحيّة، لأنّه أعمى الروح ويحتاج إلى لمسة روحيّة من الرب يسوع طبيب الروح. بالطلب والإصرار دون الاهتمام بما يقوله الناس، يأخذ المؤمن شفاءه الروحي ليعرف الحقّ السماوي ويعمل به في الروح، فيرث الحياة الأبديّة مع الرب يسوع. (يوحنا 14: 6 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي).

 

باسم الآب السماوي، والابن، الرب يسوع المسيح كلمة الله، وقوّة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.

 

تفسير شادي داود

أحبك ربي يسوع
Back to content