تفسير إنجيل مَتَّى
الأصحَاحُ الثَّامِنُ عَشَرَ
1فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟» 2فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ 3وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 5وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي. 6وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. 7وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ! 8فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. 9وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ. 10«اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 11لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ. 12مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟ 13وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ. 14هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ.
15«وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. 17وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. 18اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ. 19وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 20لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ».
21حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» 22قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. 23لِذلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. 24فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. 25وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ. 26فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. 27فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. 28وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِني مَا لِي عَلَيْكَ. 29فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. 30فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. 31فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. 32فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. 33أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟ 34وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. 35فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ».
1 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟»: في تلك الساعة تقدّم التلاميذ يسألون الرب يسوع ليجعل من إجابته آية يتعلّم منها كل مؤمن روحي في ملكوت السماوات. آية روحيّة عن الأعظم في ملكوت السماوات حسب كلمة الرب يسوع.
2 فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ: لم يتكلّم الرب يسوع عن حكمة الإنسان وعلمه، ولا عن موقعه كخادم عظيم للرب، ولا عن مركزه العظيم على الأرض، إنّما دعا إليه ولداً وأقامه في وسطهم ليتعلّم منه كل مؤمن كيف يكون عظيماً في ملكوت السماوات.
3 وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ: تكلّم الرب يسوع عن دخول ملكوت السماوات أولاً قبل أن يتكلّم عن الأعظم في ملكوت السماوات. يقول الرب يسوع أنّ الأولاد فقط يدخلون ملكوت السماوات، فكل مؤمن يرجع بقلبه ليصير مثل الأولاد يدخل ملكوت السماوات، لأنّ الرب يسوع يتكلّم عن قلب المؤمن البسيط مثل الأولاد، فهو الّذي في قلبه تواضع ومحبّة وليس في قلبه رياء أو محبّة للخطيّة. بالمحبّة والتواضع فقط يدخل المؤمن ملكوت السماوات مع الرب يسوع. يعمل المؤمن أولاً ليدخل ملكوت السماوات ثم يعمل ليكون عظيماً في عين الرب يسوع.
4 فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ: يقول الرب يسوع أنّ التواضع فقط يجعل المؤمن أعظم في ملكوت السماوات. الأكثر تواضعاً هو الأعظم في ملكوت السماوات وليس الأكثر معرفة أو خدمة لكلمة الرب، لأنّ التواضع هو المحبّة، والرب يسوع تواضع حتّى الموت من أجل المحبّة. (فيليبي 2: 8 وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ).
5 وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي: من يقبل ولداً واحداً مثل هذا الولد الّذي مع الرب يسوع، أي حديث الإيمان بالرب يسوع. الولد في الروح هو حديث الإيمان بمعرفته البسيطة وتواضع النفس. يقبله باسم الرب يسوع لأنّه يقبل إيمانه بالرب يسوع. من يقبل ولد باسم الرب يسوع هو من يعتني به روحياً فيتعلّم منه حسب كلمة الرب في المكتوب.
6 وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ: من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بالرب يسوع، أي علّمه ليبتعد عن إيمانه الروحي بالرب يسوع المخلّص، لأنّه استغلّ ضعفه ليبتعد به عن طريق الحقّ والحياة الأبديّة، فخير له أن يُغرق في لجّة البحر بحمل ثقيل على عنقه، أي خير له أن يختنق في هموم هذا العالم بحمله الثقيل على عنقه طول أيامه على الأرض، من أن يقف أمام الرب يسوع في دينونته الأبديّة لأنّ عقابه سيكون عظيماً.
7 وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!: العثرات هي كل سبب يجعل الإنسان يبتعد عن خلاصه بالرب يسوع. لذلك هي سبب الويل على العالم لأن منه تأتي العثرات. فلا بدّ أن تأتي العثرات من عالم الشهوات وحب الخطيّة، ولكن ويل للإنسان الّذي يجعل من نفسه عثرة لغيره. (رومية 2: 5 وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ، 6الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ.).
8 فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن يد الإنسان أو رجله لأنّ الإنسان يذهب برجله ويعمل بيده. لذلك إن كانت يدك أو رجلك سبب لبعدك عن الرب يسوع المخلّص من الموت الأبديّ فاقطعها وألقها عنك، أي اقطع رجلك من المكان الّذي فيه عثرة لروحك، أو اقطع يدك من العمل للوصول إلى شهوات تبعدك عن الرب يسوع المخلّص. لأنّه خير لك أن تقطعها في هذا العالم ببعدك عن الشهوات وتدخل الحياة الأبديّة مع الرب يسوع وأنت غير فاعلها، من أن تأتي إلى نار الموت الروحي في ظلمة الشرّ الأبدي وأنت فاعلها. يقطع الإنسان يده أو رجله إن كان فيها مرض يُهدد الجسد بالموت، لأنه يرضى العيش دون يده أو رجله من أن يموت كل جسده، فكم هي الروح أفضل من الجسد؟ لذلك يقطع المؤمن كل أعمال جسديّة فيها عثرة لحياته الروحيّة فلا يأتي إلى الدينونة الأبديّة. (تسالونيكي الأولى 5: 22 امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ.). يتكلّم الرب في هذه الآية عن رجل واحدة ويد واحدة لأنّه يتكلّم عن المؤمن الّذي لم يأت بكلّ ما فيه إلى الرب يسوع، فهو المؤمن الّذي له رجل أو يد واحدة في ملكوت السماوات والرجل أو اليد الأخرى في العالم. لذلك يقول خير لك أن تدخل الحياة الأبدية أعرج لأنّه يقطع رجل واحدة وهي الّتي في العالم، أو يدخل الأبديّة أقطع لأنّه يقطع اليد الواحدة الّتي في العالم.
9 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ: أيضاً يتكلّم الرب يسوع مع المؤمن الّذي له عين في العالم وعين في ملكوت السماوات، لذلك يتكلّم عن عين واحدة يقلعها فيدخل أعور وليس أعمى. إن أعثرتك عينك، أي كانت عينك سبب لبعدك عن الرب يسوع المخلّص، فاقلعها من المكان الّذي فيه عثرة لروحك. اقلعها في إبعادها عن كل ما يجعلك تنظر إلى غير الرب يسوع. اهربوا من شبه الشرّ فلا يحصل الشرّ (تسالونيكي الأولى 5: 22 امْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرّ.). خير لك أن تدخل الحياة الأبديّة أعور عن شهوات العالم من أن تلقى في جهنّم النار الأبدية ولك عينان. عينان في جهنّم لأنّ واحدة نظرت إلى العالم والأخرى إلى ملكوت السماوات. آية تقول لمن يطلب الحياة الأبديّة أن ينظر فقط إلى ملكوت السماوات. لذلك المؤمن الّذي ينظر إلى ملكوت السماوات لكنّه أيضاً ينظر إلى العالم لا يدخل الحياة الأبديّة.
10 اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: يقول الرب يسوع انظروا إلى الكلمة وليس فقط اسمعوها، لذلك المؤمن الصالح هو الّذي ينظر إلى المكتوب ليفحص صحّة ما يسمع. من هم هؤلاء الصغار؟ ولماذا يتكلّم فقط عن هؤلاء وليس عن كل الصغار؟ كلمة الرب روحيّة لذلك يتكلّم عن هؤلاء الصغار في الروح الواقفين أمامه، أي المؤمنون باسمه. الصغير في الروح هو حديث الإيمان، أو بسيط المعرفة الروحيّة لبساطة قلبه. لا تحتقروا صغار المؤمنين بالرب يسوع لعدم فهمهم أو لضعفهم الروحي، لأنّ الرب يسوع فدى هؤلاء الصغار بدمه، لذلك لهم ملائكة في السماوات ينظرون كل حين وجه الآب الّذي في السماوات. ينظر المؤمن الروحي كل حين باسم الرب يسوع وجه الآب الّذي في السماوات ليعمل كل حين في الروح حسب كلمة الله السماويّة، لذلك هؤلاء الصغار لا يستطيعون أن ينظروا جيداً ليعملوا باسم الرب يسوع، فتنظر لهم الملائكة ليعملوا في الروح ولا يخطئوا.
11 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ: جاء الرب يسوع في جسد إنسان ليُخلّص الإنسان من الهلاك الروحي بسبب الخطيّة. جاء ليخلّص ما قد هلك من الّذين يؤمنون أنّهم هالكين ويحتاجون إليه لخلاص نفوسهم من الموت الأبدي، لذلك هم كالأولاد يتبعون مخلّصهم ويعملون بكلمته دون تكبّر أو اعتراض. أمّا الإنسان الّذي يعتمد على قوته ويرى أنّه لا يحتاج للمخلّص، فيُهلك نفسه لأنّه سيأتي إلى دينونة الحقّ حسب أعماله.
12 مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟: الإنسان هو الرب يسوع والخراف هم المؤمنون به، فإن ضلّ أحدهم طريقه الروحي بسبب عدم فهمه لكلمة الله فيتبع آخرين، أو لأنه ينظر إلى شهوات العالم الجسديّة فيبتعد عن كلمة الله الروحيّة للحياة الأبديّة. لا يتركه الرب يسوع في ضياعه، بل يأتي وراءه في خدّامه ليعيده إلى الطريق الصحيح. لأنّ الخروف الضال عن الراعي الصالح يجعل من نفسه فريسة سهلة لذئاب الحياة الروحيّة. راعي الخراف الصالح يعمل لحماية المؤمن به من خطر الموت الروحي في عالم الشهوات والخطية. فمن يسمع صوت الرب يسوع الّذي جاء يطلب الخراف الضالة يخلّص نفسه من الهلاك الأبدي قبل نهاية الفرصة بموت الجسد.
13 وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ: يفرح الرب يسوع بعودة الضال أكثر من فرحه بالّذين معه، لأنّه يحزن على الضال فيصبح فرحه أعظم عند عودته. لذلك الفرح بعودة الضال أكبر من الفرح بالّذين لم يضلّوا. (لوقا 15: 17 أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ.) الفرح العظيم هو عند خلاص المؤمن، لأنّه عاد عن طريق الموت الروحي المؤدّي إلى جهنّم. يقول الرب في هذه الآية أنّه دائماً يبحث عن الضال لكنّه ليس دائماً يجده، لأنّه يقول "إن اتّفق أن يجده فيفرح به". إن اتّفق أن يجده، لأنّه سمع الصوت وجاء إلى الرب يسوع، فيفرح لخلاصه قبل نهاية فرصته بموت الجسد، لكن إن لم يجده فلأنّه لم يسمع لكلمة الرب الّذي يبحث عنه بصوت خدّامه.
14 هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ: هكذا ليست مشيئة الآب السماوي أن يهلك في الروح أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بالرب يسوع كلمة الله، لذلك يرسل خدّامه ليبحثوا عن الضال ويخدموه في الروح لخلاصه الأبدي. الخلاص بالإيمان وليس بكثرة المعرفة والفهم، فلا يحتقر كثير المعرفة بسيط المعرفة لأنّ الرب يسوع مات من أجله، ولأنّ المؤمن يدخل ملكوت السماوات ببرّ أعمال الرب يسوع وليس ببرّ نفسه أو بكثرة فهمه.
15 «وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ: آية لعلاقة المؤمنين بعضهم مع بعض، يتكلّم بها الرب يسوع عن حياة المؤمن الروحيّة في علاقته بأخيه المؤمن. فإن أخطأ إليك أخوك المؤمن فلا تقطع علاقتك به قبل أن تحاول أوّلاً إصلاح الخطأ. فتذهب إليه وتعاتبه بينك وبينه وحدكما. فإن سمع منك فقد ربحت أخاك. يقول الرب يسوع للمؤمن به أن يكون محباً لأخيه المؤمن، فإن أخطأ إليك اذهب إليه أنت ولا تنتظر ليأتي هو أوّلاً.
16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ: المحبة السماويّة تطلب من المؤمن إصلاح الخطأ حتّى وإن لم يكن هو المذنب. فيحاول مرة واثنين وثلاثة. فإن لم يسمع منه في أوّل مرّة يأخذ معه في محاولة أخرى من يمكن أن يسمع منه، فيكون الكلام على فم شهود تشهد بالحقّ بينهما لمعالجة الخطأ.
17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ: مُحاولة ثالثة لإصلاح العلاقة بين الإخوة في الروح، تدخل فيها الكنيسة شاهداً حسب الكلمة الروحيّة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عندك كالوثني والعشّار، أي لا علاقة روحيّة بينك وبينه. لأنّ الوثني يعبد آلهة أخرى فلا علاقة روحيّة بينه وبين المؤمن. والعشّار هو الّذي يحب الخطيّة ويعيش لشهوات هذا العالم لذلك يأخذ ما لا يحقّ له، لا شراكة بينه وبين المؤمن الصالح (لوقا 3: 12 وَجَاءَ عَشَّارُونَ أَيْضًا لِيَعْتَمِدُوا فَقَالُوا لَهُ: «يَامُعَلِّمُ، مَاذَا نَفْعَلُ؟» 13فَقَالَ لَهُمْ: «لاَ تَسْتَوْفُوا أَكْثَرَ مِمَّا فُرِضَ لَكُمْ».).
18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية مع كل مؤمن يعمل حسب الكلمة السماويّة، فكل ما يربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء لأنّه يعمل حسب الكلمة السماويّة، كالّذي يُخطئ إليه أخاه ويعمل كما طلب منه الرب يسوع، فيربط بأن يكون أخاه عنده كالوثني والعشّار، ليكون أيضاً مربوطاً في السماء، أي مقبولا قراره عند الرب لأنه يعمل حسب كلمة الرب. وإن عاد هذا الأخ عن رفضه وقبل أخاه واعترف بذنبه فيغفر له، ليغفر له أيضاً الآب السماوي، فيكون محلولاً على الأرض وفي السماء أيضاً. يربط ويحلّ المؤمن الّذي يعمل حسب كلمة الله السماويّة في تعامله مع أخيه الإنسان، وليس له أن يربط أو يحلّ بين إنسان وآخر، فقط بينه وبين الآخرين، لأنّ الرب يسوع تكلّم عن مصالحة الأخ في علاقته مع أخيه.
19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ: إن اتّفق اثنان منكم، أي اثنان من الّذين يتبعون الرب يسوع ويعملون بكلمة الله السماويّة فيطلبان حسب الكلمة الروحيّة. يكون لهما من قبل أبي الّذي في السماوات، لأنّ الله يستجيب فقط للمؤمن باسم الرب يسوع ابن الله الحيّ. لأن خطيّة الإنسان تفصل بينه وبين الله فيحتاج إلى الوسيط البارّ ليطلب من الله، الرب يسوع هو ابن الله وهو ابن الإنسان الوحيد البارّ بأعماله، لذلك هو الوسيط الوحيد بين الله والناس (تيموثاوس 2: 5 أَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ). (يوحنّا الأولى 2: 1 يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ.). لماذا تكلّم عن اثنان في أي شيء يطلبانه وليس عن واحد؟ لأنّها آية لحياة المؤمن الروحيّة في علاقته مع الآخر، لذلك هي آية روحيّة لأي شيء روحي يطلبانه متّفقين فيما بينهما، كالّذي يتكلّم باسم الرب مع الّذي يسمع باسم الرب، فيعطي الكلام للمتكلّم والفهم للمستمع، لأنّهما متّفقين فيما بينهما.
20 لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ»: لا ينظر المؤمن إلى عدد المجتمعين باسم الرب يسوع لأنّه يكفي المجتمعين أن يكونوا اثنين ليكون الرب يسوع بينهما، ليمنح الكلام الصالح للمتكلّم ويمنح فهم الكلمة للمستمع الّذي يطلب الفهم. يقول الرب يسوع في هذه الآية أنّه دائماً يكون في وسط المجتمعين باسمه، فلا يحتاج المؤمن أن يطلب منه الحضور.
21 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟»: تكلّم الرب يسوع في عدد 15 عن مصالحة المؤمن لأخيه، لذلك يسأل بطرس في هذه الآية عن عدد المرّات الّتي يغفر فيها لأخيه، فيتعلّم المؤمن ويعمل حسب كلمة الرب يسوع. لماذا يقول بطرس إلى سبع مرّات؟ لأنّ الرب يسوع قال إلى سبع مرّات في اليوم (لوقا 17: 4 وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ».).
22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ: قال له الرب يسوع لا أقول لك إلى سبع مرّات لأنّه قال في لوقا 17: 4 إلى سبع مرّات في اليوم، وهنا يقول في حياة المؤمن وليس في اليوم الواحد، لذلك يقول إلى سبعين مرّة سبع مرّات، أي إلى سبعين يوم سبع مرات في اليوم. لماذا يغفر المؤمن لأخيه كل هذه المرّات؟ لأنّ الرب يسوع غفر له خطاياه الكثيرة، فيغفر هو أيضاً لمن يخطئ إليه.
23 لِذلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ: يُشبّه الرب يسوع ملكوت السماوات في مثل أرضي، ليفهم المؤمن عند تفسير المثل حقيقة سماويّة فيها إعلان عن سرّ من أسرار ملكوت السماوات.
إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية عن المؤمن الّذي يرفضه الله ولا يمنحه الخلاص لأنّه لا يعمل بالكلمة في محبّة ورحمة. فهو مؤمن لأنّه يعبد الله ويخدمه كعبد لكن ليس فيه محبّة ولا رحمة لغيره. فهو المؤمن الّذي لم يعتمد بالكلمة الروحيّة. إنساناً ملكاً هو الله في الرب يسوع ابن الإنسان، الله الّذي يغفر الخطايا للمؤمن باسم الرب يسوع، ابن الإنسان الفادي الّذي دفع ثمن خطيّة الإنسان ليغفرها بالرحمة والعدل. لذلك يحاسب عبيده على الأرض ليمنح الخلاص للّذين يعملون حسب كلمته قبل موت الجسد، ويترك الخطيّة في العبد الّذي لا يعمل حسب المحبّة والرحمة السماويّة، ليدينه حسب أعماله بعد نهاية الفرصة بموت الجسد.
24 فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ: يتكلّم الرب يسوع في هذه الآية مع المؤمن ليفهم إن كان يستحقّ الخلاص بالرحمة، أم يستحقّ الدينونة بالعدل. لأنّ المؤمن بالمسيح لا يأخذ خلاصه إن لم يعتمد بكلمة الله الروحيّة، أي يؤمن بالمسيح ابن الله الوحيد ويعمل بكلمته في الروح فقط حسب المكتوب. (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ). يبدأ الرب في محاسبة المؤمن بالحقّ فيطلب منه الدين حسب أعماله، أو يرحم المؤمن فيترك له الدين بالنعمة إن كان يستحقّ الرحمة. لأنّ المؤمن غير الصالح يبقى دينه عليه إلى يوم الدينونة، والمؤمن الصالح يأخذ خلاصه الروحي على الأرض قبل موت الجسد. لأنّه بموت الجسد تنتهي فرصة الإنسان للخلاص. قُدم إلى الرب عبد من المؤمنين به الخطاة، مديون بعشرة آلاف وزنة من الخطايا. من قدّمه إلى الرب؟ ولماذا يقول أنّ الخاطي مديون؟ خادم الرب هو الّذي يقدّم المؤمن إلى الرب بتعليمه الروحي حسب كلمة الرب في المكتوب، فيمتحن الرب إيمانه ليمنحه الخلاص بدفع الدين عنه إن كان يستحقّ، أو ليرفضه إن كان لا يستحقّ. خطايا الإنسان دين عليه إلى يوم الدينونة لأنّ الله لا يحاسب الخاطي على الأرض، لأنّه يمنح الإنسان فرصة لخلاصه من الدين قبل موت الجسد، لذلك هو دين يوفيه يوم الدينونة بعد موت الجسد. (يوحنا 12: 47 وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ. 48مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ).
25 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَى الدَّيْنُ: هذا ما يستحقّه الإنسان الخاطي لأنّه لا يستطيع أن يوفي ثمن الخطيّة، لأنّ ثمن الخطيّة موت. هذا العقاب هو نار جهنّم لأنّه أعظم عقاب للخاطي كثير الدين فيباع هو وامرأته وأولاده وكل ما له لجهنّم فيوفي دينه في دينونة أبديّة. (رومية 6: 23 لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا). هذا العبد عقابه عظيم لذلك يباع هو وامرأته وأولاده وكل ما يملك، مثل عن أصعب عقاب على الإنسان لأنّه يخسر امرأته وأولاده وكل ما يملك.
26 فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ: يسجد المؤمن أمام الله في الروح، بالإيمان بكلمة الله في الرب يسوع والعمل بها حسب المكتوب دون زيادة أو نقصان، هكذا يعترف المؤمن بالرب سيّدا على حياته، فيمنحه فرصة للخلاص من الدينونة الأبديّة. هذه الفرصة هي حياة المؤمن على الأرض قبل موت الجسد، ليعمل في محبّة ورحمة حسب كلمة الرب يسوع الفادي، فيوفي الدين بإيمانه الصالح بالرب يسوع الّذي يوفي عنه دين الخطيّة فلا يأتي إلى الدينونة الأبديّة.
27 فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ: تحنن الرب على عبده لأنّه طلب منه أن يتمهّل عليه فيوفي الدين. آية روحيّة تتكلّم عن المؤمن الّذي يخدم الله مؤمناً باسم الرب يسوع الّذي يوفي عنه الدين، ولا ينكر أنّه مديون بوزنات من الخطايا، ومن قلبه يطلب أن يردّ الدين بالإيمان الصالح، أي يتوب من قلبه عن خطاياه ويعمل بكلمة الله للخلاص الروحي. فيطلقه الرب حراً لا دين عليه. العبد هو الّذي يعمل بكلمة سيّده، والرب يسوع كلمة الله هو السيّد الّذي يغفر الخطايا بالحقّ، لأنّه هو البارّ الّذي دفع ثمن الخطيّة بالموت.
28 وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِني مَا لِي عَلَيْكَ: خرج ذلك العبد من المحاسبة حراً ليعود إلى حياته في العالم ويعمل حسب كلمة سيده الّذي غفر له كل خطاياه الكثيرة، فوجد واحداً من رفقائه كان مديوناً له بالقليل، فطلب منه الدين بلا رحمة، لأنّه أمسك به وأخذ بعنقه. آية عن الحقّ والرحمة، فحقّ العبد أن يستردّ الدين، لكن بالرحمة يترك الدين لمن ليس له قدرة على ردّ الدين، أو يتمهّل عليه كما طلب منه رفيقه العبد. كما كان حقّ الملك على عبده ليوفي له الدين الكثير، لكنّه استخدم الرحمة فترك له الدين. هكذا ينبغي على العبد أن يترك حقّه ليرحم رفيقه المديون بالقليل. رُحم بالكثير لكنّه لم يرحم بالقليل. الدين بين العبد والآخر يُمكن أن يكون في المادة أو في الشرّ. المادة في الّذي يُعطي الشيء ويطلب أن يستردّه فيما بعد وهذا حقّ، لكن إن كانت الرحمة مطلوبة فعلى المؤمن بكلمة الرب يسوع أن يعمل بها ويترك حقّه لغيره، فلا يُطالب بالقليل لأنّ المادة مهما كانت كثيرة فهي لا شيء مُقابل الدين العظيم الّذي تركه الرب يسوع للمؤمن به. الدين أيضاً يُمكن أن يكون في الشرّ بين الإنسان والآخر، فيُطلب من فاعل الشرّ أن يردّه بالحقّ حسب الناموس (الاويين 24: 20 سن بسن وعين بعين). لكنّ المؤمن بالرب يسوع لا يطلب الحقّ لنفسه، بل يغفر لغيره كما غفر له الرب يسوع، لأنّ الرب يسوع جاء وتألّم ومات من أجل الخطاة، فقابل الشرّ بالمحبة والغفران. (لوقا 23: 34 فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ».). الإنسان الّذي يولد من الروح في حياة أبديّة مع الرب يسوع، لا يهتم بحقّه الأرضي عند لزوم الرحمة السماويّة.
29 فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ: خرّ العبد على قدميّ رفيقه العبد لشدّة حاجته إلى الرحمة، طالباً فقط أن يتمهّل عليه فيوفي الدين كله. هذا ما فعله طالب المئة دينار أمام الملك الّذي طالبه بالعشرة آلاف وزنة.
30 فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ: لم يتنازل هذا العبد عن حقّه ليرحم رفيقه المديون، بل استخدم حقّه المشروع وألقاه في السجن حتّى يوفي الدين. هذا هو العدل، ولكن بلا رحمة، عين بعين وسن بسن (الاويين 24: 20 كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيهِ.) هذا هو العدل بين الناس. أمّا العدل السماوي فهو عدل بعدل ورحمة برحمة، فمن يطلب العدل من الله يجب أن يطلبه أيضاً على نفسه ويدفع ثمن الخطيّة بالعدل حسب أعماله، ومن يطلب الرحمة لنفسه يجب أن يرحم هو أيضاً غيره.
31 فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى: يحزن المؤمن عندما يرى رفيقه العبد، الّذي رحمه الرب وغفر له جميع خطاياه، يتعامل بلا رحمة مع رفيقه العبد حتّى وإن كان هذا بالعدل، لأنّه رُحم بالكثير وهو لا يرحم بالقليل. يقول الرب يسوع في هذه الآية أنّ المؤمن الصالح لا يدين الّذي يطلب حقّه بالعدل حتّى وإن كان بلا رحمة، إنّما يأتي بحزنه أمام الرب يسوع، السيّد الوحيد الّذي له أن يتعامل مع مثل هذا العبد، لأنّه هو الّذي دفع عنه الدين.
32 فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ: هذا العبد الّذي رحمه الملك من دينه العظيم، أصبح عبدا شرّيرا بعين الرب بعد أن تحنّن عليه وبرّره من كل خطاياه الكثيرة، لأنّه لم يرحم بالقليل رفيقه العبد وألقاه في السجن. يقول الرب يسوع لعديم الرحمة والغفران أنه عبد شرّير لا يدخل ملكوت السماوات مهما كان إيمانه عظيم، لأنّه إيمان بلا اعتماد. (مرقس 16: 16 مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ) (متى 6: 12 وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا).
33 أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟: من يطلب الرحمة من الرب يسوع يجب أن يرحم هو أيضاً رفيقه الإنسان، لأنّ الرحمة هي دليل المحبّة، أما العدل دون رحمة فهو دليل محبّة النفس وليس محبّة الآخرين (متى 19: 19 أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ). أحبّ الرب يسوع الإنسان فبذل نفسه رحمة لخلاص كل من يقبله مخلّصاً لحياته. من يعمل بالعدل دون رحمة يجب أن يطلب العدل من الرب لنفسه أيضاً ولا يطلب الرحمة.
34 وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ: (يوحنا 3: 16 لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.) تألّم الرب يسوع البارّ ومات بسبب خطيّة الإنسان لكي يغفر للمؤمن به خطاياه الكثيرة، لذلك يغضب الله ويرفض كل مؤمن لا يغفر لغيره كما هو غفر له. فكما يطلب الإنسان العدل من غيره بلا رحمة هكذا يأخذ بالعدل بلا رحمة من الرب. من لا يغفر لغيره يُسلّمه الرب بعد نهاية الفرصة عند موت الجسد إلى المعذبين، ليُدان في النار الأبديّة بالعدل حسب أعماله حتّى يوفي كل ما كان عليه، فيبقى في جهنّم إلى الأبد لأنّه لا يستطع أن يوفي ما عليه.
35 فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاَّتِهِ»: آية تتكلّم عن المؤمن الّذي يستحقّ الخلاص من دينونة الخطيّة وعن المؤمن الّذي لا يستحقّ الخلاص. فالّذي يستحقّ هو المؤمن الّذي تاب عن الخطيّة واعتمد بكلمة الله معترفا أمام الرب أنّه مديون، ويطلب منه أن يتمهّل عليه فيوفي الدين بإيمانه الصالح بالرب يسوع الّذي يوفي عنه الدين. لكن ليأخذ هذا المؤمن خلاصه الأبدي بالرحمة من الرب يسوع، يجب أن يعمل هو أيضاً بالرحمة مع غيره فيستحقّ الخلاص من الدينونة الأبديّة.
بقوّة الآب السماوي، والابن، الرب يسوع المسيح كلمة الله، وعمل الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود