تفسير إنجيل مَتَّى
الأصحَاحُ السَّابعُ عَشَرَ
1وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. 3وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. 4فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». 5وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». 6وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. 7فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». 8فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ.
9وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ». 10وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» 11فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. 12وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ». 13حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ.
14وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ 15وَقَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ. 16وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ». 17فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا!» 18فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ الْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. 19ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 20فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ. 21وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».
22وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ 23فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدًّا.
24وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟» 25قَالَ: «بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟» 26قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ. 27وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ».
1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ: وبعد ستة أيام من قول الرب: "إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ" أخذ الرب يسوع ثلاثة من تلاميذه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين، ليبصروا ابن الإنسان في ملكوته قبل أن يذوقوا الموت، أي قبل موتهم في الجسد، لأنّ المؤمن الحي في الروح إلى الأبد يذوق الموت في الجسد فقط. آية روحيّة لحياة المؤمن الّذي يعتمد عاملاً بكلمة الله الروحيّة، فيأخذ خلاصه الروحي ويبصر الرب يسوع في الروح آتياً في ملكوته السماوي وهو على الأرض قبل موته في الجسد.
2 وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ: آية روحيّة ظهر فيها الرب يسوع أمام تلاميذه في هيئته السماويّة فأضاء وجهه كالشمس لأنه صورة الآب السماوي كوكب الصبح المنير (رؤيا 22: 16 «أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاَكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهذِهِ الأُمُورِ عَنِ الْكَنَائِسِ. أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ. كَوْكَبُ الصُّبْحِ الْمُنِيرُ».). وصارت ثيابه بيضاء كالنور لأنه نور العالم، كلمة الله في ابن الإنسان البارّ. (يوحنا 9: 5 مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ).
3 وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ: آية روحيّة يتعلّم منها المؤمن فلا ينظر إلى غير الرب يسوع في حياته الروحيّة. ظهر موسى وإيليّا للتلاميذ لكنّهما تكلّما فقط مع الرب يسوع. لا يقول الرب في هذه الآية أنّ الأموات تتكلّم مع الأحياء، لأنّهما تكلّما فقط مع الرب يسوع وهو في مجده العظيم وليس مع تلاميذه. لماذا موسى وإيليا؟ لأنّهما لم يدفنا في الأرض كباقي البشر (التثنية 34: 5 فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ.) مات موسى فدفنه الله ولا يعرف قبره إنسان. (الملوك الثاني 2: 11 وَفِيمَا هُمَا يَسِيرَانِ وَيَتَكَلَّمَانِ إِذَا مَرْكَبَةٌ مِنْ نَارٍ وَخَيْلٌ مِنْ نَارٍ فَصَلَتْ بَيْنَهُمَا، فَصَعِدَ إِيلِيَّا فِي الْعَاصِفَةِ إِلَى السَّمَاءِ.) أيضاً إيليّا لم يدفنه إنسان وليس له قبر على الأرض.
4 فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ»: أبصر بطرس بعينه الجسديّة ظهور موسى وإيليّا أمامه فجعل يُخطئ ويساوي الرب يسوع بالّذين ظهروا أمامه، مُعتقداً أنه يكرمهم بأعمال جسديّة لم يطلبها الرب يسوع لأنّها لا تصلح لحياة المؤمن الروحيّة. المظال هي ما يُسمّى بالمزار، أي بناء يأتي إليه الزائر لينظر المكان الّذي ظهر فيه موسى وإيليّا مع الرب يسوع.
5 وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا»: وفيما بطرس يتكلّم أسكته صوت الآب السماوي بغضب، لأنهم سقطوا على وجوههم وخافوا. ظنّ بطرس أنّه يكرم الرب يسوع لكنّه أغضب روح الله. آية يقول فيها الآب السماوي لكل مؤمن أن يعمل فقط حسب كلمة ابن الله الحبيب في المكتوب، ولا يعمل من نفسه حسب أفكاره في حكمة جسديّة. جاء الرب يسوع ليخلّص الإنسان من موته الروحي، لذلك يعمل المؤمن في حياته الروحيّة فقط مع الرب يسوع الفادي، وليس له علاقة روحيّة بغيره مهما رأى بعينه. (أعمال الرسل 4: 12 وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ). (رومية 3: 23 إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ). كل إنسان خاطي ويحتاج إلى مجد الله في الرب يسوع الفادي ابن الإنسان البارّ.
6 وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا: سمع التلاميذ كلمة الله فخافوا جداً، لأنّ الله تكلّم بغضب من السحابة بسبب ما قاله بطرس في حكمته الأرضيّة، مساوياً الرب يسوع البارّ بالإنسان الخاطي. المؤمن الّذي لا يُغضب الله، فلا يسقط على وجهه، هو الّذي يعمل فقط حسب كلمة الله، حتّى وإن رأى بعينه أنبياء ظاهرين أمامه. آية لكل مؤمن يمجّد الإنسان الخاطي مع الرب يسوع البارّ.
7 فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا»: الرب يسوع وحده ينجّي المؤمن به من غضب عدل الله على الخاطي، لأنه هو وحده بموته وقيامته دفع ثمن الخطيّة ليغفرها بالعدل. لذلك هو وحده يقيم الخاطي من سقوطه فلا يخاف من كلمة الله، لأنّ الله يحبّ المؤمن الّذي يسمع كلمة الرب يسوع الفادي ولا ينظر إلى آخر. آية روحيّة جاء فيها الرب يسوع ولمس المؤمن به فأقامه من الموت الأبدي وأعطاه سلامه الروحي للحياة الأبديّة.
8 فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ: كل مؤمن يلمسه الرب يسوع ويقيمه من موته في الروح، لا يرى إلا الرب يسوع الفادي الّذي خلّصه من دينونة العدل في الموت الأبدي. فيعمل في حياة روحية مع الرب يسوع يخدم الكلمة ناظرا فقط إلى الرب يسوع، حتّى وإن رأى أنبياء ظاهرين أمامه. لا ينظر المؤمن الصالح إلى غير الرب يسوع حتّى وإن رأى عجائب تُصنع أمامه، لأنّ العجائب الجسديّة لا تمنحه حياة روحيّة أبديّة. يموت الجسد وتموت معه كل عجائب الشفاء الجسدي وتنتهي نفسه في جهنّم. لذلك لا ينظر المؤمن إلاّ للرب يسوع، لأنّه الفادي الوحيد من الموت الروح الأبدي، والشافي الوحيد من الأمراض الروحيّة لحياة أبديّة. كل عجيبة صنعها الرب يسوع هي آية روحيّة لحياة الإنسان الأبديّة (يوحنّا 6: 63 اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي. أَمَّا الْجَسَدُ فَلاَ يُفِيدُ شَيْئًا. اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ، 64وَلكِنْ مِنْكُمْ قَوْمٌ لاَ يُؤْمِنُونَ».).
9 وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ يَسُوعُ قَائِلاً: «لاَ تُعْلِمُوا أَحَدًا بِمَا رَأَيْتُمْ حَتَّى يَقُومَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ»: آية روحيّة يوصي بها الرب يسوع كل مؤمن به فلا يتكلّم عنه إلاّ بعد قيامته من الأموات، أي بعد قيامة الرب يسوع في حياة المؤمن الروحيّة، فيأخذ خلاصه الروحي ليتكلّم بما للروح. لأنّ الّذي يبشرّ بمجد الرب يسوع يبشرّ به لخلاص النفوس، لذلك لا يتكلّم عن الخلاص من ليس فيه خلاص. آية تقول أنّه باطل يتكلّم كل إنسان لا يقبل أوّلاً موت وقيامة ابن الإنسان.
10 وَسَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «فَلِمَاذَا يَقُولُ الْكَتَبَةُ: إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟»: نبوّة تقول أنّ إيليّا يأتي أوّلاً ثمّ يأتي الرب يسوع (ملاخي 4: 5 هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوف، 6فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ».) يقول الكتبة أنّ إيليّا ينبغي أن يأتي أولاً، لذلك لا يعترفون بمجيء الرب يسوع قبل مجيء إيليّا أولاً حسب النبوّة. لكنّ التلاميذ رأوا الرب يسوع في مجدٍ عظيم وعلموا أنه المسيح الّذي يقوم من الأموات، لذلك تحيّروا من قول الكتبة، وسألوه: "إن كنت أنت المُخلّص كما رأيناك في مجدٍ عظيم وتقوم من الأموات، فلماذا لم يأت إيليّا أولاً حسب النبوّة؟".
11 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ: يأتي إيليّا أوّلا ويرد كل شيء روحي قبل مجيء الرب يسوع لأنّها آية روحيّة تتكلّم عن كل مبشّر بخلاص الرب، فيأتي بإيمان إيليّا الروحي وقوّته لخدمة كلمة الله قبل مجيء الرب يسوع إلى حياة الإنسان الروحيّة، فيبشّره بمجيء المخلّص. يأتي المبشرّ أولاً ويرد كل شيء روحي لحياة الإنسان، لأنّ الإنسان يعيش لحياة الجسد الّذي يزول ولا يهتمّ بما للروح الّذي لا يزول (لوقا 1: 16 وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. 17وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا»). (متى 3: 1 وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ 2قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ).
12 وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. كَذلِكَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا سَوْفَ يَتَأَلَّمُ مِنْهُمْ»: جاء إيليّا في الروح ولم يعرفوه لأنّهم لم يفهموا أنّ النبوّات ليست جسديّة لحياة أرضيّة، لأنّها آيات روحيّة لحياة المؤمن السماويّة. آية روحيّة عن الّذين يرفضون خادم الرب المرسل إليهم من الرب، فلا يعرفوه أنّه من الرب لأنّهم لا يعملون فقط حسب المكتوب ليميّزوا روح الخادم الصالح من غير الصالح. كذلك ابن الإنسان يتألمّ منهم بسبب تعاليمهم الخاطئة لأنّها من حكمة وعادات وتقاليد بشريّة وليست من كلمة الله الروحيّة في المكتوب، فيقتلون كلمة الله الروحيّة في حياة الّذين يتبعونهم.
13 حِينَئِذٍ فَهِمَ التَّلاَمِيذُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ عَنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ: فهم التلاميذ أنه تكلّم عن يوحنا المعمدان الّذي جاء بإيمان إيليّا وقوّته ليخدم كلمة الله. هكذا يفهم كل مؤمن روحي أنّها آية روحيّة تتكلّم عن كل مبشّر يخدم كلمة الله، ليهيئ الطريق أمام الرب يسوع فيأتي إلى حياة المؤمن ويمنحه الخلاص الروحي الأبدي. لكن الكتبة لم يفهموا الآية الروحيّة من النبوّة لذلك لم يقبلوا الرب يسوع، لأنّهم ينتظرون إيليّا في الجسد قبل مجيء المسيح المخلّص. هكذا لا يفهم كلمة الله كل إنسان لا يسمع الكلمة بالتواضع والإيمان، لأنّ الّذي يسمع يفهم أنّها آيات روحيّة وليست كلمة حرفيّة جسديّة. (كورنثوس الثانية 3: 6 الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي.).
14 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى الْجَمْعِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ جَاثِيًا لَهُ: آية روحيّة يقول فيها الرب يسوع أنّه يأتي مع خدّامه إلى الجمع ليمنح الشفاء الروحي لكل إنسان يتقدّم إليه جاثياً في الروح. يأتي الرب يسوع في خدّامه وينشر الكلمة السماويّة أمام الجموع، فيتقدّم إليه في الروح كل من يقبله ويطلب منه الشفاء الروحي بتواضع جاثياً له في الروح، لا محارباً أو مجرّباً له.
15 وَقَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ: يسمع الرب يسوع لكل مؤمن يطلب منه بتواضع ومحبّة ويجعله سيّد على حياته بالعمل حسب كلمته. يطلب الأب من أجل ابنه لأنّه يؤمن بالرب يسوع المُخلّص، فيطلب الشفاء لابنه المريض في الروح. يتألّم شديداً لأنّه مريض في عدم استقرار الروح، لأنّ استقرار الروح هو إمّا في الرفض الدائم للرب يسوع أو في القبول الدائم للحياة مع الرب يسوع. لذلك المريض في عدم استقرار الروح هو غير المستقرّ في طريقه الروحي، فيقع كثيراً في نار الألم الروحي، أي كثيراً ما يرفض كلمة الله فيخاف من دينونة النار الأبديّة. وأيضاً يقع كثيراً في الماء، أي كثيراً ما يقبل كلمة الله، لأنّ كلمة الله هي ماء الحياة الأبديّة الّتي تطفئ نار الدينونة الأبديّة في حياة الإنسان. يقع مريض الروح في النار لأنّه يقبل الخطيّة ويرفض كلمة الله، ومرات أخرى يقع في الماء لأنّه يرفض الخطيّة ليعمل بكلمة الله، فيتألّم كثيراً لأنه في ضياع روحي، يحبّ العالم بشهواته وأيضاً يخاف من الدينونة الأبديّة. (يوحنا 3: 5 أَجَابَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ) الماء هو كلمة الله. (مز 66: 12 رَكَّبْتَ أُنَاسًا عَلَى رُؤُوسِنَا. دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ.) دخلنا في حيرة روحيّة في بداية الطريق الروحي ثم أخرجتنا منها إلى الخصب الروحي في كلمة الله.
16 وَأَحْضَرْتُهُ إِلَى تَلاَمِيذِكَ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَشْفُوهُ»: لم يكن للتلاميذ القدرة الروحيّة الكافية لشفاء المريض، والسبب هو عدم إيمانهم بقوة كلمة الرب يسوع الّتي يشفي بها المؤمن كل مريض في الروح. يشفي المؤمن مريض الروح باستخدامه لكلمة الله فقط في المكتوب، لذلك الّذي لا يقدر أن يشفي هو الّذي يتكلّم من حكمته البشريّة وليس فقط من كلمة الله الروحيّة.
17 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَيُّهَا الْجِيلُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، الْمُلْتَوِي، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا!»: الجيل غير المؤمن هو جيل الإنسان المولود من الجسد ولم يولد من الروح، هو جيل ملتوي لأنّه خاطي. لا يستطيع هذا الجيل أن يشفي مرضى الروح إن لم يولد أوّلاً من الروح، ليعمل فقط حسب كلمة الله الروحيّة فيشفي مريض الروح.
إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟: هل يترك الرب يسوع المؤمن به لذلك يقول إلى متى أكون معكم؟ في الجسد يترك الرب يسوع كل مؤمن به، ليكون معه في الروح بالإيمان الروحي وليس في العيان أو في الأمثال الجسديّة الّتي في المكتوب. كما كان الرب يسوع مع تلاميذه في الجسد ثمّ تركهم ليبقى معهم في الروح، هكذا يكون الرب يسوع أوّلاً في الجسد مع كل مؤمن به ثمّ يتركه ليكون معه في الروح. كيف يكون الرب يسوع في الجسد مع المؤمن به؟ كما رأى التلاميذ بعين الجسد هكذا يرى المؤمن كلمة الله جسديّة، فيؤمن به صانع العجائب الجسديّة. وكما آمن وعمل التلاميذ في الروح بعد صعوده، هكذا يعمل المؤمن الروحي بكلمة الله، آيات روحيّة لحياة سماويّة أبديّة. أيضاً يرى الإنسان الرب يسوع في الجسد عندما يرى قوّة يصنعها الرب يسوع أمامه، لأنّ هدف الرب يسوع من العجائب الجسديّة هو فقط لخلاص الروح إلى حياة أبديّة وليس لحياة الجسد الّذي يزول، فهي فقط ليراه المؤمن بعين الجسد من خلال القوّات الّتي يراها.
إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟: إلى متى يحتمل الرب يسوع هذا الجيل غير المؤمن الملتوي؟ يحتمل الرب يسوع وينتظر الإنسان الخاطي وضعيف الإيمان طول أيّامه على الأرض، لأنّه على الأرض هو في فرصته الوحيدة للخلاص من الدينونة الأبديّة. لذلك يحتمل الرب يسوع حتّى نهاية حياة الإنسان بموت الجسد، لأنّه بعد موته تنتهي الفرصة ويأتي إلى دينونة الحقّ حسب أعماله.
قَدِّمُوهُ إِلَيَّ ههُنَا!: كيف يقدّم المؤمن مريض الروح إلى الرب يسوع؟ لا شفاء لمريض الروح إن كلّمه الإنسان بحكمته البشريّة، لذلك من لا يستطيع الشفاء لأنّه لا يتكلّم فقط من الآيات الروحيّة في المكتوب، يقدّم المريض إلى خادم الرب الّذي يتكلّم فقط بكلمة الله في المكتوب. يقدّم المؤمن مريض الروح إلى الرب يسوع من خلال الكلمة الروحيّة التي يضعها أمام المريض، مُستخدماً قوة إيمانه بالرب يسوع الّذي يعطي الكلام في حينه لشفاء مريض الروح.
18 فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ، فَخَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ. فَشُفِيَ الْغُلاَمُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ: الشيطان في الإنسان هو في الّذي فيه محبّة لفعل الخطيّة. يأتي الخاطي الّذي فيه محبّة لفعل الخطيّة إلى الرب يسوع فينتهر الشيطان بكلمة البرّ. كلمة الله الّتي يستخدمها المؤمن لشفاء مريض الروح هي كلمة البرّ الّتي تنتهر حب الخطيّة الّذي في الإنسان، فيخرج منه شيطان الخطيّة ليرفضها في حياة روحيّة فيها محبّة لعمل البرّ. (العبرانيين 2: 14 فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ).
19 ثُمَّ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ عَلَى انْفِرَادٍ وَقَالُوا: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟»: آية لكل مؤمن يفشل في خدمته الروحيّة، فيسأل الرب يسوع على انفراد عن سبب فشله. كيف يسأل المؤمن الرب يسوع في الروح؟ يسأل كلمة الرب في المكتوب، لأنّ المكتوب هو كلمة الله الروحيّة وفيها جواب لكل سؤال روحي. أو يسأل خادم الرب الّذي يتكلّم فقط في المكتوب (2 تيموثاوس 3: 16 كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، 17لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ.).
20 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل: يتكلّم الرب يسوع عن عدم الإيمان الروحي في المؤمن الجسدي، لذلك هو سبب فشل الإنسان في العمل الروحي. والإيمان الصحيح هو كحبّة خردل. لم يقدر التلاميذ على شفاء مريض الروح بإخراج الشيطان، والسبب هو عدم إيمانهم في الروح بقوة كلمة الله للشفاء الروحي. يبدأ الإنسان بالإيمان الجسدي مع الرب يسوع فينظر إلى كلمة الله جسديّة، لكنّه يفهمها ويعمل بها آيات روحيّة بعد ولادته من الروح. لذلك هو عدم إيمان روحي لشفاء الروح. يشفي الرب يسوع مريض الروح مُستخدماً خدّامه المؤمنين به كحبّة خردل، أي المؤمنين به كآية حبّة الخردل (متى 13: 31 يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، 32وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُزُورِ. وَلكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ السَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا.). المؤمن الصالح هو الّذي ينمو بالإيمان كحبّة الخردل، فإن لم يكن الإيمان كحبّة خردل فهو عدم إيمان روحي.
لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ: هذا الجبل هو جبل هموم الحياة في هذا العالم، لذلك هو طريق أمام كل إنسان يعيش للجسد في هذا العالم، فيصعد جبل الهم والتعب للوصول إلى أهداف جسديّة تزول بموت الجسد. الإنسان المؤمن مثل حبة خردل ينقل جبل هموم الحياة الجسديّة بكلمة الله الروحيّة، فلا يهتمّ بما للجسد الّذي يزول ليهتمّ بما للروح للحياة الأبديّة. (متى 13: 32 مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ) متى نمت كلمة الله في حياة الإنسان تصبح أكبر اهتماماته. قال الرب يسوع هذا الجبل لأنّه يوجد جبل آخر هو جبل الحياة الروحيّة، يصعده المؤمن مع الرب يسوع الفادي. هو جبل بسبب الضيقات الّتي تأتي على المؤمن من العالم (متى 17: 1 وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. 2وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ.) (عبرانيين 12: 22 بَلْ قَدْ أَتَيْتُمْ إِلَى جَبَلِ صِهْيَوْنَ، وَإِلَى مَدِينَةِ اللهِ الْحَيِّ. أُورُشَلِيمَ السَّمَاوِيَّةِ.) الّذي يصعد هذا الجبل في العالم لحياة الجسد ينتهي من صعوده بموت الجسد ثمّ يأتي في الروح إلى الدينونة الأبديّة حسب أعماله، أما الّذي يصعد جبل الروح مع الرب يسوع فيأتي إلى الحياة الأبديّة؟
وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ: كل شيء ممكن للمؤمن الروحي مثل حبّة خردل، لأنّه ينكر الجسد ليعمل في الروح حسب كلمة الله السماويّة. فلا يهتم بشهوات الجسد لأنّه يطلب ما للروح، فيأخذ من الرب يسوع كل ما يحتاجه للحياة الروحيّة. لم يأت الرب يسوع من أجل الجسد لأنّه تألّم ومات لكنّه قام لخلاص الروح من الدينونة الأبديّة، لذلك هذه الآية تقول أنّه لا يكون شيء روحي غير ممكن للمؤمن الروحي.
21 وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ»: الإيمان مثل حبّة خردل ينقل جبل الهموم من أمام المؤمن الروحي. وأمّا جنس الشياطين لهلاك الروح فلا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم. الإيمان يزيل الهموم، وبالصلاة والصوم يُخرج الشياطين. الصلاة هي علاقة المؤمن الدائمة بالرب يسوع، في العمل حسب كلمة الله في الآيات الروحيّة (أفسس 6: 18 مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاَةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ) (تسالونيكي الأولى 5: 17 صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ.) الّذي يعمل بكلمة الله الروحيّة هو يصلّي في الروح بلا انقطاع. والصوم في الحياة الروحيّة هو الصوم عن شهوات العالم للاهتمام في العمل الروحي وخدمة الكلمة السماويّة. كل مؤمن مثل حبّة خردل يُخرج الشياطين بكلمة الله من كل إنسان يعترف بمرضه الروحي ويطلب الشفاء، فيفهم الكلمة الروحيّة ويعمل بها لحياته الأبديّة. الشيطان في الإنسان هو في محبّة الإنسان للخطيّة وفي رفضه للرب يسوع الفادي.
22 وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ: موت الرب يسوع ليس معلومة يعرفها المؤمن، إنّما هو إعلان روحي من الرب يسوع. لذلك يقول في هذه الآية أنّه يعلن لكل مؤمن يتبعه عن سرّ مجيئه في الجسد، وهو أن ابن الإنسان يسلّم إلى أيدي الناس ليتألّم ويُقتل لكنّه في اليوم الثالث يقوم ليفدي الإنسان. يقول الرب يسوع أنّ الّذي يسلّم إلى أيدي الناس هو ابن الإنسان، لأنّه يتكلّم عن نفسه كإنسان وليس كإله، لأنّه هو الإله الّذي يفدي الإنسان بموت وقيامة ابن الإنسان.
23 فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». فَحَزِنُوا جِدًّا: يحزن المؤمن على موت الرب يسوع ابن الإنسان دون ذنب، لأنّه مات من أجل الإنسان الخاطي ليفديه من دينونة الموت الروحي. (غلاطية 3: 13 اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ»).
24 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ؟»: ولمّا جاء الرب يسوع مع تلاميذه إلى كفرناحوم، البلد التي يسكن فيها، (متى 4: 13 وَتَرَكَ النَّاصِرَةَ وَأَتَى فَسَكَنَ فِي كَفْرَنَاحُومَ الَّتِي عِنْدَ الْبَحْرِ فِي تُخُومِ زَبُولُونَ وَنَفْتَالِيمَ). تقدّم الّذين يأخذون الجباية إلى بطرس يسألونه إن كان مُعلّمهم الّذي يُعلّم الحقّ يوفي الحقّ بدفع الدرهمين لأنه يسكن كفرناحوم.
25 قَالَ: «بَلَى»: قال بطرس بلى لأنه يعرف أنّ الرب يسوع بارّ ولا يُخطئ، يُعلّم الحقّ ويعمل به.
فَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟»: فلما دخل بطرس البيت سبقه الرب يسوع وكلّمه عن الدرهمين، ليتكلّم في المثل الأرضي عن ملوك الأرض ويصنع منه آية روحيّة لكل مؤمن روحي في ملكوت السماوات.
26 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ الأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ: البنون أحرار، لأنّ الّذي تحت العبوديّة فقط يوفي الجباية أو الجزية، والرب يسوع من البنين لا يوفي الدرهمين، لأنّ ملوك الأرض لا يأخذون الجباية أو الجزية من شعبهم، إنّما يأخذونها من الأجانب، أي من الّذين تحت سلطانهم في عبوديّة. (يشوع 16: 10 فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيدًا تَحْتَ الْجِزْيَةِ.) آية روحيّة عن الرب يسوع البارّ ابن الله، لذلك ليس عليه حقّ الجباية أو الجزية الروحيّة، لأنّه لم يفعل خطيّة. الجباية أو الجزية الروحيّة يوفيها الخاطي في الجسد على الأرض بالتعب والهموم لأنّه عبد الخطيّة. (تكوين 3: 17 وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».).
27 وَلكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطْلُعُ أَوَّلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ»: يتكلّم الرب يسوع بالحقّ ويعمل به، لكن إن لم يوفي الدرهمين يُعثر الّذين يظنّون أنّه لا يعمل بالحقّ الّذي يتكلّم به. لذلك يقول في هذه الآية أنه يبارك عمل المؤمن الّذي يعمل كيلا يعثر غيره حتّى بالحقّ غير الواجب عليه. دفع الرب يسوع الجزية الروحيّة بمجيئه إلى أرض التجربة والألم، مع أنّه ابن الله البارّ ليس عليه حقّ الجزية الروحيّة. أمر الرب يسوع بطرس ليذهب إلى عمله فيوفي عنه وعن الرب يسوع الّذي يبارك عمله. لأنّ المؤمن الّذي أخذ خلاصه الروحي من الرب يسوع، يعمل كما يعمل كل إنسان في الجسد ويوفي الجزية على الأرض، بالتعب والهموم حتّى نهاية حياته في الجسد. صيد السمك هو كل عمل جسدي لحاجة الإنسان في الجسد، والإستار الّذي يجده هو نتيجة هذا العمل، يباركه الرب فيدفع الجزية على الأرض إلى يوم انتقاله من الجسد إلى الحياة الأبديّة مع الرب. يعمل المؤمن في خدمة الكلمة ويوفي عنه وعن الرب يسوع جزية اضطهاد الرافضين له ولكلمة الله على الأرض.
باسم الآب السماوي، والابن، الرب يسوع المسيح، وقوة الروح القدس، الإله الواحد. آمين.
تفسير شادي داود